سرقة بهذا الحجم تصبح مقابلها العدالة واضحة وضوح الشمس، لا لبس فيها ولا انحراف، وتصبح بالتالي معيارا لمَنْ أراد أن يميز بين مَنْ هم أصحاب الحق، ومَنْ هم مرتكبو الظلم والقتل؟
هذه البديهية تكاد تنسى، لا الأعراف، ولا القوانين الدولية، ولا الإعلام العالمي وقفت سدا منيعا أمام محاولة نسيانها، بل أصبحت جميعها أدوات مطواعة بيد الصهاينة، حتى أصبحنا نسمع أن «إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها بقتل الأطفال الفلسطينيين» «إسرائيل لها الحق في قتل الفلسطيني الإرهابي». لها الحق في تجويع ومحاصرة وقتل أهل غزة متى شاءت وبأي أسلوب كان؟
لكن كل ذاكرة تقاوم نسيانها، وفلسطين والقدس هي الذاكرة الأم للعرب جميعا، مهما تخللت هذه الذاكرة بعض الندوب والشروخ وبعض الأخطاء، إلا أنها أعطت نماذج في التضحية والمقاومة، وسطرت أروع القصص برجالها من الجيل الأول في أواخر الثلاثينيات، الذين استشعروا خطر التطهير والفصل العنصري للمشروع الصهيوني، ثم الأجيال اللاحقة، الذين قدموا شهداء لم يستقروا على الضيم والذل.
هذه هي الخطوط العريضة لسردية فلسطين باعتبارها ذاكرة، لا تنفك تعطي التاريخ المعاصر دروسا وأمثلة تستمد منها الأجيال التربية والقيم والأخلاق.
لكن الذاكرة بهذا المعنى بحاجة دائمة إلى تذكير، وتفعيلها لا يتم سوى بالتركيز على العاطفة ومخاطبة الرأي العام من خلالها، وتجنب الخوض في المنطق السياسي العقلاني البارد، خصوصا حين ترى بعينيك ماذا الذي باستطاعة المحتل أن يقوم به من عنف وقتل وأمام الكاميرات وتحت أعين الصحافة العالمية.
لذلك رأينا في الهجوم الأخير على غزة أن شريحة كبيرة من الناس حول العالم بدأت تتضح الصورة لها، فأصبحت صورة الفلسطيني الإرهابي والإسرائيلي الضحية قد انقلبت تماما وأصبحت بالعكس، وذلك بفضل الحراك الشبابي الكبير للجيل الحالي لأبناء الوطن العربي ومناصريه من أبناء العالم. وبفضل هؤلاء قدموا القضية الفلسطينية على السوشيال ميديا، ليرى العالم الحقيقة عارية، وليس لكون هذه الوسائل وبفضلها استطاعوا تقديم صورة الفلسطيني الضحية. ولكن لكون القضية الفلسطينية بوصفها ذاكرة تملك من المقومات الثقافية والفكرية والتاريخية ما يجعلها قابلة للتأثير على كل متلقٍ في العالم، لأنها تخاطب فطرته الإنسانية: الحرية والعدالة.
[email protected]