ومن حسن الطالع أن أول كتاب قرأته هو كتاب (محطات في حياتي مع الإدارة) الكتاب الذي أهدتني إياه سمو الأميرة الدكتورة الجوهرة بنت فهد بن محمد آل سعود مؤسسة ومديرة جامعة نورة سابقا.
ختمت الكتاب في جلسة واحدة ولم أشعر بمرور الوقت، وكما يقول بول سويتي: (إذا شعرت وأنت تقلب الصفحة الأخيرة في الكتاب أنك فقدت صديقا عزيزا فاعلم أنك قد قرأت كتابا رائعا)، شدني للكتاب عمق الطرح وجمال الأسلوب ولغة متينة عكست اصطباغ سمو الأميرة في تخصصها (اللغة العربية) فهي نموذج للمرأة السعودية الشغوفة بالقمة فهي الخريجة الأولى التي تحصل على درجة الماجستير والدكتوراة في اللغة العربية من كلية التربية للبنات في الرياض عام 1403هـ.
كل صفحة من كتابها يعتبر محطة توقف لاستلهام الدروس. ولعلي لا أبخس الكتاب قدره إن اخترت عددا منها لأعطي نماذج وإلا فالكتاب مدرسة حافلة بالكثير من التجارب الجديرة بالتأمل.
المحطة الأولى: تولت سموها منصب عميدة كلية التربية للبنات بالرياض وهي بنت التاسعة والعشرين وتحملت مسؤولية القيادة، تقول سموها: (عندما توليت هذا المنصب لم أغير أثاث مكتب العمادة السابق رغم ما عرض علي من قبل الإدارة المختصة، ولكني رفضت)، لقد ركزت على التغيير وفي فترة وجيزة بنت الهيكل التنظيمي للكلية وأنشأت مكتبا لأمانة المجلس لمتابعة القرارات وأدخلت الرجال في مجلس الأمانة من خلال الدائرة التلفزيونية المغلقة للاستفادة من خبراتهم في مجال عمل المجلس.
ومما يعد تميزا لسمو الأميرة أنها سمحت للمحاضرات بحضور جلسات أقسام الكلية مستمعات رغم معارضة نص النظام لذلك وهذا بعد رائع من سموها لإعطاء الفرصة لهن في اكتساب الخبرة وتعلم الحوار، وزرع الثقة فيهن ليتحملن المسؤولية في التطوير والرقي بتخصصهن دون المشاركة في التصويت،
ومن منجزاتها أنها تبنت مراجعة وتغيير الخطط والمناهج وشكلت فرق العمل المتميزة للقيام بهذه المهام ومتابعة تنفيذها.
لقد سبقت سمو الأميرة بفكرها ومقترحاتها أصحاب القرار في ديوان الخدمة المدنية في دراسة ظاهرة بطالة الخريجات. وقدمت ورقة عمل في عام 1415هـ تضمنت حلولا لهذه الظاهرة منها إنشاء فروع مستقلة للسيدات في كافة الوزارات، إلا أن المقترح رفض، وتأتي رؤية 2030 لتؤكد بعد النظر الثاقب واستشراف سمو الأميرة للمستقبل.
اهتمت الجوهرة بسكن الطالبات فأنشأت عيادة طبية، وفعلت الأنشطة الطلابية وأسست مكتبة للقراءة في السكن.
ومن الجوانب المضيئة في حياة سموها في الإدارة اهتمامها بالتعلم عن بعد من خلال الدوائر التلفزيونية والتي قوبلت بالرفض من بعض المتحمسات. فاستصدرت سموها فتوى بجواز ذلك من الشيخ صالح الأطرم رحمه الله وأقنعت الطالبات بذلك.
اعتنت سموها بزيادة عدد الخريجات في الدراسات العليا وشجعت الطالبات على مواصلة تعليمهن للحصول على الماجستير والدكتوراة.. تقول سموها: عينت عميدة للكلية لم يكن بها عضو هيئة تدريس سعودية حاصلة على الدكتوراة من الكلية غيري وعندما تركتها في عام ١٤١٥هـ كان هناك ٥٦ خريجة حاصلة على الدكتوراة في ٢٤ تخصصا و١٣٤ حاصلة على الماجستير و١٣٠٠ حاصلة على الدبلوم العالي.
ومن إنجازاتها تشييد مبنى الكلية حيث كانت تقف بنفسها على اختيار التصميم والألوان والأدوات. وكانت حريصة على الجانب التقني وذلك بإدخال الحاسب الآلي والتقنية المتقدمة.
كما اهتمت بالأنشطة الطلابية وتنظيم الرحلات العلمية وكانت أول رحلة لمحمية الوعول في حوطة بني تميم وكذلك لمركز الملك عبدالعزيز للخيول العربية.
المحطة الثانية: منصب الوكيلة المساعدة للشؤون التعليمية، كأول امرأة تشغل هذا المنصب وكانت من أصعب المراحل لكنها صبرت وركزت على الإنجاز وشكلت فرق العمل ولم تشتغل بالجدل والنقاشات لتقبل عمل المرأة في محيط الرجال.
قامت بالزيارات لكليات البنات في جميع مناطق المملكة ووقفت بنفسها على السلبيات والإيجابيات وبدأت بالدراسة العلمية لهذا ووضعت التصور التصحيحي.
المحطة الثالثة في مشوار الجوهرة تعيينها مديرة لأول جامعة للبنات في المملكة هي جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله. وكانت عند حسن ظن ولاة الأمر فقامت بإعادة هيكلة الجامعة وضم كليات البنات في منطقة الرياض للجامعة وتوج هذا الجهد بوضع حجر الأساس للمدينة الجامعية الأولى للبنات.
وتختم كتابها بقولها (لقد حاولت بقدر الإمكان أن أكون صادقة مع الله صادقة مع النفس..).
ولعل الكتاب صدر في نسخته الأولى قبل أن تنتقل سمو الأميرة لمحطة رابعة رائعة تنافس فيها الثريا وزحل عندما تم ترشيحها عضوة في اللجنة النسائية لشؤون الحرمين الشريفين لتتوج تاريخها الناصح بصفحة من نور في خدمة حجاج وزائرات الحرمين الشريفين.
عندما أخذت جولة مع هذا الكتاب الذي جسد شخصية فريدة وأيقونة وطنية مخلصة أعطت الكثير من وقتها وصحتها وتفكيرها وبذلها بلا ملل ولا كلل في مجالات عديدة وبثبات وصبر مع محافظة تامة على مبادئها..
أقول متسائلة: أليست هذه الشخصية جديرة بتسليط الضوء عليها إعلاميا لتكون نبراسا يحتذى من بنات الوطن؟ أليست جديرة أن تكون ضيفا في برامجنا الإعلامية؟! أم أن سياسة البرامج تتطلب كشف الوجه حتى تتصدر المشهد؟! وهنا أقف عن التعليق وفي فمي ماء قائلة: عجبا لإعلام يقدم التوافه وينسى الجواهر واللآلئ.
@FawzyahALtwalah