المشكلة الحقيقة تكمن حين يتعرض الإنسان لمواقف ودروس ومشكلات ويبقى هو كما هو لا يتطور ولا يتغير عندئذ تصبح المسألة عديمة الفائدة. ويُذكر أن محمد علي كلاي -رحمه الله- قال: الرجل الذي يرى العالم وهو في الخمسين بنفس النظرة كما كان في عمر العشرين يكون أضاع ثلاثين عاما بلا فائدة!
وحين يقع الحدث والقضاء وتحدثك نفسك عن ردة الفعل أو نوع التغيير، فأنت أمام خيارين الأول عدم المبادرة، وأن تنتظر موقفا أقوى وأعنف يهزك من الداخل ثم تفكر جديا في التغيير للأفضل والتأقلم والتطور.
وأما الحالة الثانية، فهي الاستباقية بمعنى أن تكون لماحا وترى التغييرات في حديثك مع نفسك أو سلوك المتذبذب وغير الثابت، فتلك اللمحات البسيطة هي مؤشرات قبل حدوث الهزة العنيفة، وحينها قد تسبق الأحداث وتبدأ بالتغيير، وهذا هو النمط الأفضل والأصلح، ولكن يحتاج إلى ملاحظة مستمرة ومراجعة للنفس مرارا وتكرارا. والواقع أنني لا أعتقد الكثير يُحسن ذلك! فأولئك هم السباقون إلى التطور في الغالب، وهم يبدؤون بالتغيير قبل أن يفرض عليهم فرضا بالظروف أو المواقف أو الأحداث.
وقصة إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خير مثال حيث كانت فيها عدة عوامل للتغيير الفكري والديني والسلوكي معا. منها أولا صدمة الموقف أن أهل بيته (أخته وزوجها) قد أسلما وهو لا يعلم بذلك. وهذه الصدمة استفاد منها رضي الله عنه إيجابيا مع ما عرف عنه من قوة شخصيته وصلابته في مواقفه وآرائه. أضف إلى ذلك اجتمع مع هذا الموقف دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام له حيث قال: «اللَّهمَّ أعزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذينِ الرَّجُلَيْنِ إليكَ بأبي جَهْلٍ أو بعُمرَ بنِ الخطَّابِ، قالَ: وَكانَ أحبَّهما إليهِ عمرُ». فأصبح مفتاح شخصيته بعد التغيير إلى طريق الحق (صلابة العدل). ولعل التغيير الذي حدث له -رضي الله عنه- لم يكن فجأة ربما سبقته مقدمات وأسئلة كثيرة تدور في عقله لهذ الحدث الجديد (دين الإسلام) إن كان هو فعلا الطريق الصحيح، وطريق الحق؟ ثم تأتي الظروف بعد ذلك في هذا الاتجاه (طبعا بعد توفيق الله وهدايته) ولكن نحن نتحدث هنا عن الأسباب والمؤثرات والمؤشرات التي يراها الإنسان في حياته، وكيف يتعامل معها.
والمقصد أن التغيير الذي يراه الناس فجأة قد تسبقه ظروف وعقبات، وتفكير عميق، وهزات عنيفة تدعو الإنسان إلى مراجعة حساباته وخط سيره في فكره أو سلوكه. وأما الذي تمر عليه الظروف والصعاب والمصائب ويبقى كما هو! فذلك يحتاج إلى معالجة المسألة من جذورها لأنه حين تعمى الأبصار والعقول وتتبلد النفوس عما يحدث لها ومن حولها تكون الطامة أكبر وأصعب وأكثر تعقيدا.
وأخشى ما أخشى أن نقع في شراك النوع الثاني (التبلد)! وبوضوح أكثر التغيير للأفضل يتطلب شجاعة مع النفس، والتغيير للأسوأ هروب من مواجهة النفس.
abdullaghannam@