أنا عن نفسي، لا أكتب لتقرأ، ولكن أكتب؛ كي تستفيد، فما الفائدة من الكتابة، إن لم ينتفع بها القارئ، بتعديل سلوك خاطئ يعتاده، أو تصحيح معلومة ليست بصحيحة، حتى الكاتب الذي يكتب لتسلية القارئ، تكون هذه هي رسالته، إمتاع القارئ وتخفيف ضغوطات الحياة عليه.
لكن، لاحظت مؤخراً أثناء قراءتي لأحد المقالات المترجمة بعنوان «علم الأكسيولوجيا»، في إحدى المجلات، أن المترجم لا يجيد التحدث مع القارئ، لقد قرأت المقال أكثر من خمس مرات، محاولا الخروج برسالة المترجم، ولكنني لم أستطع الوصول إلى المقصود، لقد صرخ عقلي محاولا إيصال معاناته وإجهاده لهذا المترجم قائلاً: ما الذي تريد قوله؟ أبوس قدميك، أفهمني ما تقصد، وإلا سأقوم بأخذ شريط البنادول مرة واحدة؛ حتى أرتاح من هذا الصداع، الذي تسببت به لي.
لم تنجح عملية الاتصال بيننا، على الرغم من أن طبعة المجلة فاخرة، ولا توجد كلمات بها خطأ لغوي أو كتابي، ولكن المشكلة أن هذا المترجم لم يقرأ مقال الأستاذ أنيس منصور بعنوان «أن أفكر مثل العقاد وأن أكتب مثل طه حسين!»، الذي طالب فيه بتبسيط العلوم كي تصل للقارئ العادي، ورصد جائزة لهذه المهمة، وسبب اهتمامه بهذا الأمر هو قوله إن كثيرا من الناس ينصرفون عن العلوم والأدباء لصعوبة اللغة، التي يتكلم بها العلماء والأدباء.
هل تعلم أن الأستاذ العقاد نفسه كان يقول إنه يقرأ نفس الموضوع ثلاث مرات، وذلك بالطبع حتى يهضمه هضما، ويستطيع أن يأتي بجديد، لقد كان الأستاذ محمود عباس العقاد من أحسن العقول المفكرة، ولكن أن تقرأ له كان الأمر يحتاج منك بعض العناء.
ويقول الأستاذ أنيس منصور عن الأستاذ العقاد «أعرفه من مقالاته في مجلة «الرسالة» وأعرف أنني أظل منتظرا هذا المقال لكي أقرأ المقال على مهل. أحيانا لا أفهم ما يقول. ولا بد أنه كلام فلسفي صعب. ولكن لا بد أنه مقال رائع للذين يفهمون. ولكن المقالات التي أفهمها تعجبني. كيف يرتب أفكاره، ثم كيف يهتدي إلى نتيجة لا أعرف كيف اهتدى إليها. إنه ساحر يضع البيضة في جيبه وتخرج كتكوتا. كيف؟ وإنه وحده الذي يفعل ذلك».
شكرا أيها الأنيس، كنت أفكر في ترك القراءة والكتابة، بعد قراءتي لهذا المترجم، لولا أن رزقني الله بقراءة كلماتك بالأعلى، التي تقول فيها «أحياناً لا أفهم ما يقول» متحدثاً عن العقاد.
@salehsheha1