لعله من أصعب المواقف عليك عندما تعرف أن أحد والديك بحاجة لمال وأنت لديك المال لمساعدتهم ولكنك تحتار في الطريقة التي تقدم بها دعمك المادي لهم من غير أن تجرح مشاعرهم، لأنهم عاشوا كل حياتهم يضحون لأبنائهم ويعطونهم من غير مقابل ويساعدونهم في حل مشاكلهم، ولكن عندما يكون أحد الوالدين محتاجا للمال فهنا يكون الموقف صعبا في أن يطلب المساعدة من أحد أبنائه وخاصة إذا كانت المساعدة المالية، ولعل الأم موقفها أسهل من الأب ولكن الأب في الغالب يجد صعوبة في طلب المال من أبنائه، ولهذا الأمر يحتاج لحيلة من الأبناء في كيفية تقديم المال بطريقة ذكية عندما يشعرون باحتياج والديهم للمال، فيقدمون لهم المساعدة وبنفس الوقت يحافظون على مكانتهم واحترام شعورهم بأنهم هم أصحاب الفضل والمنة، فالوالدان هما سبب وجود الأبناء وبرهما هو سبب غنى الأبناء، فلهم الفضل في كل الأحوال، وقد عشت قصصا كثيرا في تفنن الأبناء بعطايا الآباء.
فالقصة الأولى هي أن شابا علم أن والده بحاجة لمبلغ من المال ليصلح سيارته، ففكر بحيلة ليعطيه المال من غير إحراج فاستغل مناسبة تكريمه وتميزه بعمله وجهز عدة أظرف لإخوانه وأخواته ووضع لهم مبلغا من المال، وكانت الخطة أن يضع المبلغ الكبير في ظرف أبيه بقيمة إصلاح سيارته ثم عمل حفلة للعائلة ووزع الأظرف على الجميع في جو من المرح والفرح، وقصة ثانية لفتاة عرفت أن والدتها تحتاج أن تعمل عملية في عيونها وليس لديها المال الذي يكفيها، فاتفقت مع الطبيب أن تدفع له نصف مبلغ العملية من غير علم أمها، على أن يخبر أمها بتكلفة نصف العملية حتى تشعر الأم أنها هي التي تكفلت بالعملية من مالها.
وقصة ثالثة لرجل أحيل والده للتقاعد وليس لديه مال يكفيه وهو عنده عقار يدر عليه دخلا فقال لوالده ما رأيك أن تستلم أنت إدارة العقار وتأخذ الإيراد منه لأن لديك خبرة عقارية، فوافق الأب وصار يدير العقار ويصلحه ويتابعه ويأخذ إيراده من غير شعور بأن ابنه يعطيه كل شهر، وقصة رابعة لرجل كان والده يريد أن يبني بيتا جديدا وليس لديه المال الكافي ولكن الأب لديه دخل شهري جيد، ففكر ولده الغني بحيلة ذكية وهي أن يقترح عليه بأن يأخذ له قرضا باسمه من جهة تمويلية يعرفها من أجل بناء البيت، على أن يسدد القرض والده شهريا لفترة طويلة، فوافق الأب على المقترح وما كان يعلم أن المبالغ التي يقدمها ابنه من ماله الخاص وليس من الجهات التمويلية.
والقصة الخامسة أن أحد أصدقائي قال لي مرة إنه علم أن أمه بحاجة لمال وترفض أن تأخذ من أبنائها ففكر بحيلة لكي يعطيها مالا، وكانت الحيلة أنه استلم مكافأة على مشروع كان يديره ثم نسق مع أبنائه الصغار أن يجلسوا حول أمه وهو يقوم برمي النقود عليهم مثل المطر، وقال لهم إن كل ورقة نقدية تسقط في حضن الجالس فهي له، ففرحت أمه بالفكرة وأجلس أبناءه حولها ثم قام يرمي النقود على رؤوسهم وهم يضحكون، ولكنه تعمد أن يرمي أكثر النقود بحضن أمه بما يتناسب مع احتياجها.
فالقصص في عطايا الأبناء لوالديهم كثيرة ولعل هذا من أعظم البر أن يتحسس الأبناء احتياج والديهم وخاصة عند الكبر ثم يتفننون في تقديم العطايا والهدايا وخاصة المالية من غير أن يسبب ذلك إحراجا لهم.
drjasem@