ينبغي التأكيد أولا على أن ظاهرة النمطية التي هي محل الاعتراض هي إحدى السمات الكبرى للمجتمعات التي تعولمت تحت ظل التطور التقني والاتصالي والمعلوماتي التي شهدها العالم وتحولاته المابعد حداثي، وقد تناولها مفكرون وفلاسفة كثر كل من زاويته واهتمامه، وهي في أبسط صورها أن تتحول حياة البشر في كل مجالاتها من الاختلاف الطبيعي إلى التشابه والتماثل الطبيعي بفعل ما فرضته تأثيرات عولمة كل شيء في حياة الإنسان.
ثانيا - ما قصدته بمسألة التشابه لا يتعلق بهذه الظاهرة على الإطلاق، فالمسألة لها جانبان الأول منها إذا ما وضعناها في سياق وسائل التواصل الاجتماعي، يمكننا هنا أن نقول: إن المسافة الفاصلة بين تجربة شعرية وأخرى في الجيل الحالي محيت تماما بفعل تأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي، فأصبح منظور الشاعر لنفسه منظورا أفقيا وليس رأسيا كما في تجارب الأجيال السابقة، وهذا يعني فيما يعنيه أن اللحظة التي تنبثق في ذهن الشاعر فكرة أنه يكتب شعرا، هناك العشرات مثله من تنبثق في ذهنه ذات الفكرة، فيحدث تواصل أفقي فيما بينها بسرعة لا يمكن تصورها لو قسنا ذلك على الأجيال السابقة، فالمسافة عند هذا الجيل لا تتيح له الالتفات ولو قليلا للوراء وتأمل الشعر في سياقه التاريخي، كل شيء عنده يبدأ كبيرا وينتهي كبيرا.
وبالتالي ما نسميه تنميطا على مستوى المجتمعات كافة، يكون على مستوى الشعر تشابها تحت مطرقة شبكات التواصل الاجتماعي.
أما جانبها الآخر الذي هو على صلة وثيقة بالجانب الأول، فهو يتعلق بالقصدية في القيام بفعل التشابه، فالتزامن بين تجارب هذا الجيل، لا يمحي المسافة بينها ولا تأثيراتها فقط، وإنما يفضي في أغلب نتاج هذه التجارب إلى تقاطعات جد متداخلة فيما بينها، سواء على مستوى اللغة الشعرية وتراكيبها أو مستوى الموضوعات وأغراضها، تداخل حتى كأنك تظن أن هذه القصيدة لا يكتبها شخص واحد وإنما عدة أشخاص في أعمار متقاربة.
طبعا ما أقوله يبقى ضمن الملاحظات الأولية التي تحتاج في دعمها وتأكيدها إلى مقاربات متعددة للعديد من التجارب المحلية.
ناهيك عن أن هناك بالتأكيد تجارب لأسماء شعرية متميزة شرعت لنفسها مكانة بين هذا الجيل. وإذا كانت هذه الملاحظات تظل ناقصة بسبب عدم وجود تطبيقات عملية عليها. لكنها تسجل أسبقية في الإشارة إليها كبعد تنظيري، لا يمكن إغفال أهميتها كمقدمات لفهم التجربة الشعرية للجيل الحالي.
بالمقابل حين أضع جيل الثمانينات والتسعينات ضمن نطاق تميز كل تجربة بصوتها الخاص، فإني لا أعطي حكم قيمة أو تفضيلا إزاء تجارب شعراءالجيل الحالي، قصدي بالنهاية هو أن طريقة حياة الفرد المبدع في التسعينات والثمانينات تفرض على كل منهم، وإن كانت هناك اختلافات بنيوية، مسافة فاصلة، بفعل عدم وجود مؤثرات من قبيل شبكات التواصل وتأثيراتها، تتيح معها أن ينفرد المبدع بذاتها سواء كان مضطرا أو قاصدا، فهو في نهاية الأمر يتوحد مع ذاته، بغض النظر كونه نجح في خلق صوت شعري خاص له أو لم ينجح.