ففي منصة كسناب شات والتي يبلغ عدد مستخدميها في السعودية فقط ما يزيد على ١٨ مليون مستخدم، يكفي فقط أن تقوم بعمل ما يسميه آلان دونو أستاذ الفلسفة في كتابه نظام التفاهة، بصدمة الجمهور لزيادة المشاهدات وصناعة متابعين من اللاشيء، وهذا الجمهور سيصنع لصاحبه المعجزات، فالوصفة السحرية أن يفعل أي شيء غريب، وفي النهاية سيجتمع حوله عدد لا بأس به من الجماهير، وعندها يمكنه أن يتصرف ويتفاعل كما يشاء فهذه الزاوية هي التي تكشف لنا سر السباق المحموم الذي يتسارع فية التافهون نحو التصرفات الغريبة وتعمد إثارة الجدل.
فلم تعد للشهادات ولا للخبرات قيمة تذكر، فليس المهم قيمة ما تقدمه، بل كيف تبدو وتظهر، ولذا تجد أن المشاهير أصبحوا يفهمون في كل شيء تقريبا، ولهم رأي في كل شاردة وواردة، وفي كل حدث قائم، رغم أن أكثرهم لا يملك الأهلية للحديث عن أصغر المواضيع، ومن الشواهد على ذلك خروج البعض منهم علينا خلال بداية أزمة كورونا بعلاج للفيروس، ومنهم من قام بتقييم أنواع اللقاحات وترجيح أفضلها، بل وهناك من أصبح يفتي ويرجح في الأمور الشرعية التي تشكل على الناس.
لقد أثر الابتذال المشاهد في وسائل التواصل على قناعتنا وثقافتنا وصرنا نسهم بشكل أو آخر في تعميق تغلغل التافهين في حياتنا عبر مشاهدتهم ومتابعتهم، وأصبح أبناؤنا يتسابقون لمجاراة ما يتم عرضه عبر هذه الوسائل، بقصد الوصول للشهرة والثراء السريع، وكثر الساقطون في هذا الوحل دون بلوغ المقصد، ونحرت الفضيلة وانزوى الحياء وتم التخلي عن مبادئ الدين والتربية والعادات الاجتماعية الفاضلة، وأصبحت الغاية تبرر الوسيلة مهما كلف الأمر ومهما بلغ قدر التنازل.
إننا في أمس الحاجة إلى تبني وتشجيع ودعم المحتويات الهادفة والمساهمة في نشرها، لتزاحم هذا الزخم المتدني من المشاركات، كما أننا بحاجة إلى أن نتوقف عن دعم التافهين عن طريق عدم تناقل مشاهدهم وعدم متابعتهم لتقليل هذا الزخم الطاغي من المحتويات الهابطة ولإبعاد أصحابها عن المشهد الثقافي والاجتماعي.
قال المتنبي:
لكل داء دواء يستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها
وهنا أطرح عليكم سؤالا محيرا، هل غاب عن المشهد أصحاب المحتوى الجيد أم أن كثرة الغث غطت على السمين وأن المحتوى الهادف ضاع في زخم الهابط؟