سورة كريمة
وأوضح أنها سورة الكوثر هذه السورة الكريمة التي يخاطب الله جل في علاه بها نبيه وخليله، ومصطفاه محمدا -صلى الله عليه وسلم- بهذا الخطاب الكريم المبهج، خطابا يتضمن هذه المنح الربانية، والعطايا الإلهية «إنا أعطيناك الكوثر» والكوثر: نهر في الجنة كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة، وبين أن الكوثر مأخوذ من الكثرة، فهو: الكثير، والغزير، والفائض، والدائم غير المقطوع ولا الممنوع وهو الخير الكثير: من القرآن، والحكمة، والنبوة، والدين، والحق، والهدى، وكل ما فيه سعادة الدنيا والآخرة فهو كوثر لا نهاية لفيضه، وكوثر لا إحصاء لعدده، وكوثر لا حد لدلالاته.
خضوع القلب
وأشار إلى أن الله أمر نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم-، أن يجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين: الصلاة، والنسك، فالصلاة والنسك هما أجل ما يتقرب به إلى الله، فأجل العبادات البدنية الصلاة، وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع له في غيرها من سائر العبادات، فالصلاة تتضمن خضوع القلب، والجوارح، والتنقل في أنواع العبودية، كما يعرف ذلك أرباب القلوب والهمم العالية والنحر أجل العبادات المالية، وما يجتمع في النحر من إيثار الله، وحسن الظن به، وقوة اليقين، والوثوق بما في يد الله أمر عجيب، إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص، وقد جاء الأمر بالصلاة والنحر معطوفا بـ «الفاء» الدالة على السببية -كما يقول أهل العلم- فالصلاة والنحر سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله من الكوثر، والخير الكثير.
وحذر المسلم أن يكره شيئا مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو يرده لأجل هواه، أو انتصارا لمذهبه، أو شيخه، أو حزبه، أو طائفته، أو لأجل انشغاله بالدنيا وشهواتها، وأضاف: إن على المسلم أن يلزم السنة والجادة حتى لا يكون أبتر مردودا عليه عمله، فالمهلكات ثلاث: اتباع الهوى، والتعصب للمذهب والجماعة، والانشغال بالدنيا وشهواتها.
العلو والتمكين
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن مقاييس الله غير مقاييس البشر، وموازين العزيز الكريم، غير موازين الضعفاء المهازيل، فانظروا حينما قال الكفار وصناديدهم في حق محمد -صلى الله عليه وسلم-: دعوه فإنه أبتر سيموت بلا عقب، وينتهي أمره، فجاءت هذه السورة العظيمة لتبين: أين يكون الانقطاع والامتداد، وأين يكون الخير، والفيوض، وأين موارد النقص، والهلاك، والخسران، وأين ميادين الربح والفوز، والعلو والتمكين البشر ينخدعون ويغترون فيحسبون أن مقاييسهم، ونظرياتهم، ومعايرهم هي التي تقرر الحقائق، وتتحكم في مجاري الأمور وأن الدين الحق، والدعوة إلى الله لا يمكن أن تكون بتراء، ولا يمكن أن يكون صاحبها أبتر، بل هي العز والنصر، والتمكين والرفعة، في الدنيا والآخرة.
إخلاص العمل
وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ أحمد بن حميد المسلمين بالتوبة إلى ربهم قبل أن يموتوا والمبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن ينشغلوا، وأن يصلوا الذي بينهم وبين ربهم بكثرة ذكرهم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتؤجروا وتنصروا.
وأوضح فضيلته قائلا: واعلموا أن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى، لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي، لا يدري ما الله قاض عليه فيه، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت، فما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا دار، إلا الجنة والنار،
واختتم بالإشارة إلى أن ثلاثا لا يغل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأولي الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تكون من ورائهم، فمن كان همه الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كان همه الدنيا فرق الله أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، فلا يمنعن رجلا مخافة الناس أن يقول الحق إذا علمه.