يمتلئ هذا الكون على اتساعه بعجائب كثيرة متشعبة المجالات، لكنها جميعها مترابطة وخاضعة لقوانين الطبيعة، التي تحافظ على أداء الكون على نحو سلس ومنظم، ويمكن للتناغم مع هذه القوانين أن يؤدي لتغييرات كبيرة في حياتك وفي نظرتك للأمور، حيث تمكنك القوانين الطبيعية من تعلم رؤية الاحتمالات المتعددة في كل شيءٍ بدلا من التعامل بمنطق الأبيض أو الأسود، وتفسح لك المجال للانسجام مع قوة الوجود والتمتع بوفرة الكون، ومن منظوري الشخصي، فالقانون الأول والأهم -رغم أهميتها جميعا- هو «قانون الصدى»، وأن ما نرسله سيعود إلينا، وكل ما يصدر منا من نوايا أو أفكار أو أفعال ستأخذ دورتها الكونية وتعود لنا، ولو بعد حين، وقال تعالى: (يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)، والصدى هو كل الأحداث العائدة لك، وما يأتي إليك ولا تعلم كيف أتى، فاعلم أنه أتى من إرسال سابق لك، والمقياس الأمثل للتعامل مع هذا القانون هو في اتباع القاعدة الذهبية، وهي من القواعد الأوسع انتشاراً في التعاليم الأخلاقيّة في العالم والأكثر قِدَما منذ حضارات وشعوب ما بين النهرين، وكذلك شعوب الصين القديمة، والديانة البوذيّة والكونفوشيوسيّة والزرادشتيّة، فضلاً عن الأديان الإبراهيميّة، بشكل لعلّه مساوٍ لفهمها في الحضارات الحديثة. كما تحدّث عنها فلاسفة اليونان، وتصاغ بصياغات متعدّدة، تبعاً للأعراف والثقافات واللغات والأديان، لكنّ واحدة من صيغها المعروفة: «أحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها» أو «ما تقبله لنفسك فاقبله لغيرك، وما لا تقبله لها لا تقبله له» أو «تعامل مع الآخرين بالطريقة التي لو كنت أنت مكانهم لأحببت أن يتعاملوا معك بها»، أو «لا تؤذ الآخرين بطرق تجدها أنت مؤذية»، ولتطبيق القاعدة الذهبية يجب أن تضع نفسك مكان الشخص الآخر وتفكر قبل أن تتصرف أو ترد، وعندما تفكر في كيفية تأثير تصرفاتك في شخص آخر سترى الموقف من وجهة نظر مختلفة، وإذا حرصت على الالتزام بها فتلحظ تغييرات كبيرة في علاقاتك، خصوصا إذا كنت غافلا مسبقا عن كيفية تأثير أفعالك في الآخرين، كما يعني ذلك النظر لنجاح الآخرين على أنه نجاحك الخاص، وأن تكون سعادتك لما يخصهم بحجم سعادتك لنفسك إذا أنجزت الإنجاز نفسه، وهذا يجعلك متحررا من الضغوط، لعدم تواجد الغيرة والكراهية والحسد في محيطك، وسيجلب ذلك بدوره مزيدا من الإيجابية لحياتك، وإن العيش وفق القاعدة الذهبية لا يعني السماح للآخرين بأن يستغلوا لطفك، بل يجعلك ذلك مركزا على توجهك النفسي، وحذرا من الانجراف في دوامات الجدال والانتقام، وتذكر دوما بأنه لا أحد مثالي، لذلك من المهم ألا نحكم على بعضنا البعض، فإذا قصَّر شخص ما بحقك حاول ألا تغضب وتستجيب بالطريقة نفسها، فربما تلقى للتو أخبارا سيئة، وتذكّر أننا جميعا متشابهون في العمق، ولدينا مخاوفنا وطموحاتنا، وكلنا نريد أن نكون محبوبين، وأن ينصت أحد إلينا، وأن نشعر بأن آراءنا مهمة، والأهم من ذلك كله أننا كلنا نريد أن يعاملنا الآخرون باحترام وتفهم دون أن نتعرض للتنمر أو السخرية، فابدأ الآن، افتح الباب لمَنْ بعدك، ابتسم لمَنْ حولك، رحب في المصعد بالشخص الذي أمامك، ارسل كلمة لطيفة لصديق، ادع زميلك على فنجان قهوة، إن تصرفات اللطف الصغيرة هذه تقطع شوطا جيدا في تنفيذ القاعدة الذهبية، ولا تنس نفسك، لذا تأكد جيدا أنك تعامل نفسك بلطف مثلما تعامل الآخرين.
LamaAlghalayini@