في دراسة مسحية لبرنامج الأمان الأسري الوطني بعام 2016 باستخدام النموذج الدولي لتقصي ممارسات إيذاء وإهمال الطفل المنزلية تباينت معدلات العنف الذي تعرض له المراهقون والمراهقات، وبلغت 65% للعنف النفسي، و10% للعنف الجنسي بينما لم تتجاوز 10% للعنف الجنسي، وكان اللافت للانتباه ارتفاع معدل التعرض للعنف الجنسي لدى الذكور بدرجة ملحوظة، وهو ما لا يتفق مع الدراسات والتقارير الدولية، ويذكر أن جمعية حقوق الإنسان كشفت الزيادة في نسب العنف الأسري والعنف ضد الأطفال منذ إنشاء الجمعية في عام 2004.
اكتشاف المشكلة والتدخل السريع لاحتوائها ومعالجة آثارها قبل تفاقمها وتحولها إلى عقد نفسية بات ضرورة في ظل تزايد عدد الحالات التي تظهر على السطح، وهي قمة الجليد في الإيذاء الذي قد يكون من الأسرة نفسها أو المجتمع الذي لا يحمي الضحية ويعاقبه كجانٍ أيضا عندما يتطور الإيذاء إلى ما لا تحمد عقباه.
وما يهمنا اليوم ليس تسليط الضوء على المشكلة فحسب، ولكن توجيه الأنظار إلى أهمية التوجه الإيجابي نحو العلاج مع التأهيل كان من احتواء التجارب السيئة والمساعدة في التعافي والتوبة، ليبدأ الإنسان حياته مجددا كشخص صالح سوي مندمجا ضمن المجتمع الحيوي كما ارتكزت الرؤية الوطنية 2030.
ويذكر في هذا الشأن الجهود الحثيثة التي كانت ومازالت تبذلها الحكومة في السعودية لإيجاد الحلول بعد إثبات حجم المشكلة، فقد أمنت سبل الحد من العنف كان من تشريعات أو إجراءات منها على سبيل المثال لا الحصر فتح قنوات التواصل من خطوط ساخنة مثل خط مساندة الطفل التابع للمركز الوطني للأمان الأسري 116111، ومركز تلقي بلاغات العنف الأسري 1919 للتدخل السريع في حالات الاعتداء الجسدي، وتأمين دور الضيافة لاستقبال الحالات المعنفة وحمايتها، وتأهيل المتخصصين في الداخل أو عبر الابتعاث لعلاج هذه الحالات، والسماح بفتح مراكز الاستشارات الأسرية والجمعيات المتخصصة التي لها إيجابيات وسلبيات في جودة الخدمات المقدمة منها ومتابعة أدائها وأهلية من يقدم الخدمات الاستشارية الأسرية.
ونحو استدامة العمل للحد من تبعات التجارب السيئة التي تتعدد فيها أوجه الإيذاء الممارس على الشخص، كان طفلا أو مراهقا أو شابا أو كهلا فينبغي تضافر الجهود والاستفادة من الموارد المكانية والمالية والمادية والبشرية المتاحة بنظام احتواء محوكم ورقمي، يرتبط فيه جميع المقدمين للخدمات التي ترتبط بالعنف وتجارب الطفولة السيئة، والمستفيدين منها ليسهل على الفرد والجهات المختصة المتابعة فيه بما يحفظ خصوصية من يتلقى الخدمة وسرية معلوماته، ويضمن تعامله مع متخصصين في المجالات التي يحتاجها وقطع الطرق على الدخلاء والمنتفعين الذين قد يزيدون الطين بلة في التجارب السيئة.
احتواء الإيذاء والتجارب السيئة بمظلة مؤسسية وقائية وتشخيصية وعلاجية وتأهيلية وقانونية وبحثية سيساهم في التعامل مع هذه المشاكل، وتخفيف آثارها السلبية التي تنعكس على الحد من تطور المجتمع، وزيادة عبء المراضة صحيا واقتصاديا، وتأثيرها السلبي على الأمن المجتمعي.
DrLalibrahim@