مشكلة العلماء في العالم كله أنهم يعيشون هاجس تحقيق أفكارهم وقناعاتهم فما قيمة المعرفة إذا لم تستطع أن تطبقها على أرض الواقع. إذن نتفق أن الاثنين يحتاجان بعضهما لكن أحيانا ما ينظر الحاكم بريبة إلى العالم لأن المعلومة قوة. يروى أن وزير الدعاية (الإعلام) النازي في عهد هتلر يقول «إذا سمعت كلمة عالم أتحسس مسدسي فالعالم خطر». فقد استعان هتلر بالعالم فرتز هاربور لصناعة غاز الكلورين واستخدمه في حرب الخنادق ضد الفرنسيين لقلب موازين القوة. ووقع الرئيس الأمريكي جورج واشنطن بنفسه أول براءة اختراع في التاريخ الأمريكي للعالم ساميول هوبكنز لاختراعه طريقة مبتكرة في إنتاج البوتاسيوم أو ما يعرف اليوم باسم البارود.
وفي تاريخنا العربي العلماء والمثقفون والأدباء والشعراء والكتاب وشيوخ الدين وشيوخ القبائل يجتمعون في مجالس الحكام بشكل دوري. ومحمد حسين هيكل أثر على جمال عبدالناصر حاكم مصر بشكل كبير في اتخاذ القرار وكان لهيكل تأثير أيضا في عهد السادات واستعين بهيكل أيضا في فترتي مرسي والسيسي، ولأنيس منصور كلمة مأثورة إن «عصر عبد الناصر صناعة هيكلية».
أما في الوقت الحاضر، فأمراء المناطق عندهم مجالس أسبوعية يحضرها أعيان ومثقفو المنطقة يستأنسون ويسمعون منهم ويأخذون وجهات نظرهم ويتحسسون من خلالهم آراء الناس ويسمعون منهم ردود الأفعال على قرارات اتخذت، فالعلاقة بين الاثنين عضوية ولا يقدر أحدهما أن يستمر بدون الآخر.
ما دور العلماء في صناعة القرار وصناعة المستقبل؟ وهل الحاكم ممكن أن يثق في العالم ويستثمر المليارات لمشاريع قد تنجح أو تفشل؟
فمشروع Large Hadron collider الواقع بين فرنسا وسويسرا على طول 27 كم بتكلفة أكثر من 4 مليارات دولار لتسريع الذرات بسرعة الضوء ومن ثم ارتطام ذرات عناصر مع بعضها وإنتاج ذرات جديدة، خلال العشر السنوات الماضية فشل المشروع في إعطاء النتائج المرجوة منه ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي للفيزياء الجزئية يعمل على بناء مشروع أكبر من السابق بطول 100 كم بتكلفة 20 مليار دولار. ومشروع جيمس ويب التلسكوب الفضائي الذي سيستطيع رؤية 100 مليون سنة بالماضي عن طريق رؤية الضوء بالكون والذي سيطلق في أكتوبر من السنة الحالية بتكلفة 10 مليارات دولار. سمي المشروع «جيمس ويب» نسبة للعالم الفضائي الذي أسس التلسكوب السابق أبولو. لكن ماذا لو فشل المشروع أو ضاع بالفضاء أو انفجر في طريقه إلى الفضاء؟
في الختام أتمنى أن كل شخص يملك القرار أو سلطة تنفيذية ألا يبتعد كثيرا عن المفكرين والعلماء وأن يعطيهم مساحة ويستثمر بهم ليس بالضرورة أن يؤثروا عليه لكن يجب أن يستمع لهم بشكل جيد.
Twitter: @alhuzaim1