الاقتصاد والحفاظ على استدامة الموارد مبدأ حضاري دعا له الإسلام منذ 14 قرنا، ففي الأثر وصية عميقة للنبي محمد -عليه الصلاة والسلام- «لا تسرف ولو كنت على نهر جارٍ». وفي صيف العام 2015 اعتمدت الأمم المتحدة 17 هدفا للتنمية المستدامة، والمعروفة كذلك باسم الأهداف العالمية، هي دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الهدر وحماية كوكب الأرض وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار، ومن بينها هدف «الاستهلاك المسؤول» عبر تبني وتشجيع نمط حياة أكثر استدامة.
لمع هذا المعنى في ذهني وأنا أحضر مناسبة عائلية كان مخططا أن تكون «مُلكَة» وهي الحفلة التي يقيمها أهل العروس بعد كتابة عقد الزواج، وأثناء مراسم الاستقبال في أحد الفنادق الحديثة أعلن المضيفون، وهم جد ووالد العروس، عن مبادرة بتحويل حفلة الملكة إلى حفل زفاف بعد موافقة الزوجين. وذلك بهدف التيسير وشكر النعمة فضلاً عن اكتمال مقاصد حفل الزفاف، من إشهار وفرح ووليمة بحضور الأقارب والأحباب وفق العدد المسموح، الذي حددته الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار جائحة كورونا. المبادرة الجسورة باركها الحضور وشجعوها وحثوا على تبينها في المناسبات المستقبلية والاكتفاء بحفلة واحدة لمناسبتي «الملكة» و«الزفاف».
في المتوسط التقديري المتحفظ في الأيام الطبيعية، فإن تكلفة حفلة الزفاف في السعودية لا تقل عن نحو 120 ألف ريال وهو ما يعادل كامل الدخل السنوي للموظف السعودي باعتبار أن متوسط الدخل الشهري للموظفين يبلغ 10.303 ريال وفق بيانات الهيئة العام للإحصاء عن الربع الأول من العام 2020. وإذا علمنا أن معدل الادخار الموصى به من شركات الاستشارات المالية هو 10 % ومتوسط نسبة الادخار بين السعوديين 5 %، فإن الموظف بحاجة إلى مضاعفة معدل الادخار العالمي 300 % والمعدل السعودي 600 % حتى يتمكن من تأمين قيمة تكلفة الزواج في 3 سنوات.
المبالغة في الاحتفال جزء من ثقافة سائدة لكنها خاطئة، والتغيير لكسر السائد يحتاج إلى وعي وإرادة ثم إلى شجاعة وتشجيع من المجتمع حتى تصبح مواردنا وفرحتنا أكبر وأكثر استدامة.
woahmed1@