اجتمعنا أمامها من أخوات وإخوان وأقارب للزيارة والأمل والتفاؤل كلنا نواسي أنفسنا ونطمئنها وهي لا تعلم بخطورة وضعها، ولكنني أتوجع ألما من آهات المرض وخوفي أن المرض خطير وليس هناك حلول علاجية طبيا، أردد سلامتك يا أمي، تردد الحمد لله، أردد علي يا أمي، تردد علي، أنا أردد سلامة روحك وقلبك ليته فيني، تردد لا.. الحمد لله والشكر.
التقيت بالفريق الطبي وكبار المستشارين الطبيين وكل شيء أصبح محدودا، المرض ينتشر والعلاج غير ممكن والمناعة تتضاءل وتضعف.
عزيزتي (زاهية) أوجاعك وألمك زادتني فخرا وشرفا أنني أحاول أن أخدمك وأخدم رجليك ولكنني عاجز كطبيب ليس بيده حل والأمل في الله كبير.
أمي الصادقة مع نفسها والآخرين ومعي ومع إخوتي كانت طيلة سنوات مضت تتألم وتتوجع ولكنها تحاملت على نفسها وتحملت الوجع دون أن تخبر أحدا منا، صار جناح تنويمها بالتناوب والتواجد المستمر كلما سألت عن أبنائها وبناتها العشرة تجدهم مرددين (آمري وتدللي نحن حولك) تشعر بالراحة وتأخذ نعسة وغفوة الراحة من الألم والشعور بقرب أولادها حولها، تسأل عن الأبناء بالاسم واحدا تلو الآخر وعن البنات أيضا وتجدهم حولها، يتم التناوب والتواجد وفي قرارة نفسي أعلم أن مصير أمي بعد رحمة الله محدود والأيام مهدرة، كل صباح أشرق عليها تشرق الدنيا أمامي ابتهاجا برؤيتها وبعد العودة من العمل أجدها مستقرة أنتشي فرحا وأملا يحيطني وإخواني، تسرنا حال مبتسمة ولكنها تعلم أنها في حالة مرضية الكل يشعر بها.
ليلة توقف قلبها قبل يومين من فقدانها الحياة نطقت الشهادة وتوقفت قلوبنا ليس جزعا بل فجأة وفاجعة لأنه لم تكن الحالة تدعو للقلق وكانت مستقرة ولكنها إرادة الله.
الواحدة ليلا يوم الاثنين 19 /10 /1442هـ... بعد توقف قلبها تم إنعاشها وعادت للحياة بعد أن أنعشتنا معها ثم دخلت للعناية، أمي الغالية الله معك ونحن حولك هذا أمر الله وسنظل حولك نظرت إلي لكن النظرة التي شعرت فيها بالعاجز عن تقديم ما ينقذ الحياة وهزت رأسها وتطمنا عليها ثم غادرنا العناية ومع كل زيارة نلتمس أن الرحيل اقترب والوجع لم يعد بأمي وجسدها بل أصبح بقلبي وروحي الصديقة والأم العظيمة المربية المميزة التي تابعت مراحل حياتي من طفولتي حتى الخمسين وأزود سترحل عني.
أمي التي كانت سندي ومحيطي كالنهر المتدفق الذي أنهل منه كل معاني الخير والبركة أمي كانت بالنسبة لي علم غزير ومعرفة وتربية تناضل معي في كل صغيرة وكبيرة ولا تقسو علينا وتطلب منا عدم القسوة على الآخرين، كل صيف في مزرعتها وبستانها من الفواكه ما ينعم كل بيوت البلدة، بشير من عاد يستقبلني وأفرح للسفر علشانه.. وأرى تلك الابتسامة الطاهرة.
يا سبحان الله أيتها الزاهدة الزاهية الأم الخالدة كيف عشت كل حياتك منذ ميلادك حتى وفاتك يا غاليتي التي لن أنسى كل مواقفك وتربيتك والفضل الذي كان لك والدور الذي تمثل بك في حياتي.
أمي تولد وتعيش في الباحة والله يريد أن تمرض وتنقل إلى الدمام ثم تقبر في الدمام (ولا تدري نفس بأي أرض تموت) تلك حكمة إلهية لعل الله يريد بنا خيرا وتلك إرادة الله العليم الحكيم.
يوم الجمعة 23 /10/ 1442هـ صباحا رحلت الطاهرة والتقية والنقية «زاهية بنت صالح المكي» إلى جوار ربها في يوم فضيل، آمنت بالله وبالقدر ووارينا والدتي الثرى في مقبرة الدمام في جنازة ولله الحمد ميسرة وبشائر خير وأرجو من الله أن يرزقني برها وبر والدي بعد وفاتهما وأن يسكنهما الفردوس الأعلى من الجنان وأن ييمن كتابها وينور قبرها ويوسع مدخلها.
عزيزتي وصديقتي وأمي لن أنسى دعاءك ولن أنسى كم كنت احتاجك بالدعاء والتيسير ولم تبخلي علي ولن أنسى ودعتك الله يا صديقتي وأنا فداك ولن أنسى ابتسامتك ما حييت، أمي كنت مصدر الإلهام والنجاح في حياتي وكنت الفخر الذي أملكه ولم اتشبع من خدمتك وسأظل جائعا ومتعطشا لدعائك ونهلك الغزير.
كم من الأوجاع والآلام تبوأت قلبي برحيلك، فقدتك أمي وسأظل اليتيم بدونك وبدون أبي يرحمه الله، دعائي في سجودي لن ينقطع وعمل الخير لكما سيمضي وسنقدم كل ما نستطيع أبناء وبنات، ولكنني مؤمن بأن القدر الذي جعلك تدفني بالدمام سيطمئننا عليك وأن آخر كلامك هو الشهادة وأن زيارتك والدعاء لك واجب وأنت الفضل العظيم الذي لن أفقد منه سوى الصوت والاتصال اليومي.
رحم الله والدي ووالدتي.. استودعتكما الله والحمد لله على كل حال.