ومضى الكاتب يقول: إن مشاهدة الثورة السورية التي تحولت إلى حرب تدخل عقدها الثاني تعني سرد كل الخسائر من أرواح الأبرياء والمدن المدمرة والأحلام المحطمة. كما يمكننا أيضا الحداد على الإمكانات الضائعة للشباب السوريين العالقين في مخيمات النازحين الذين فقدوا عامًا آخر من التعليم.
وأضاف: لم تعد الأمم المتحدة تحسب أي أرقام موثوقة بعد التخلي عن جهود إحصاء الخسائر المدنية بعد 3 سنوات من الصراع، وهي حالة واحدة من حالات عديدة لفشل المجتمع الدولي في التزاماته تجاه السوريين.
وأردف: من المؤكد أن الخسائر فادحة لكنها لا تقتصر على سوريا وشعبها.
المسؤولية عن الحماية
وتابع: من بين الضحايا عدد من المعايير الدولية التي كان من المفترض أن تحد من معاناة السكان المدنيين، وهو أمر ستكون له آثار بعيدة المدى على صراعات دموية أخرى حول العالم.
وأضاف: القاعدة الأساسية التي تحطمت في سوريا هي عقيدة «المسؤولية عن الحماية»، وهو مبدأ يرى أن المجتمع الدولي ليس له حق فحسب، بل عليه التزام بالتدخل في النزاعات التي تُرتكب فيها الفظائع ضد السكان المدنيين.
وبحسب الكاتب، كان مبدأ «المسؤولية عن الحماية»، الذي دافعت عنه الدول الغربية لأول مرة في تسعينيات القرن الماضي وقبلت به لاحقًا الأمم المتحدة، غير قادر على النجاة من الصراع السوري.
وأشار إلى موت هذا المبدأ يمثل لحظة فشل النظام الدولي، ولا يعرف ما الذي يمكن أن يحل محله بعد.
وأضاف: بينما يبدو أن العالم يدخل حقبة جديدة من المنافسة الجيوإستراتيجية واستقطاب القوى العظمى، فليس هناك ما يضمن ظهور نظام إنساني مقبول جماعيا.
التزام سياسي
ومضى يقول: وفقا لمكتب الأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية، فإن المسؤولية عن الحماية تجسد التزاما سياسيا بإنهاء أسوأ أشكال العنف والاضطهاد، ويسعى إلى تضييق الفجوة بين الالتزامات القائمة من قبل الدول الأعضاء بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان والواقع الذي يواجهه السكان المعرضون لخطر الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية.
وتابع: كانت «المسؤولية عن الحماية» مفهوما سعى العاملون في المجال الإنساني ومسؤولو الأمم المتحدة إلى تكريسه لسنوات. وكانت المناقشات حول مسؤولية الدول ذات السيادة عن حماية مواطنيها ومسؤولية المجتمع الدولي للتدخل إذا لم تتدخل تلك الدول، مدفوعة بأهوال الإبادة الجماعية في رواندا ومذابح البلقان في أواخر القرن العشرين.
وبحسب الكاتب، فإن البداية كانت بمبدأ بلير، الذي اعتبر أنه إذا استنفدت الخيارات الدبلوماسية فيمكن تطبيق تدخل عسكري محدد لتصحيح الخطأ، بل يجب الدعوة إلى هذا التدخل. وأضاف: كان وزير الخارجية الألماني آنذاك يوشكا فيشر مؤيدًا لما أصبح فيما بعد «مسؤولية الحماية»، والذي قال في التسعينيات إن منع الإبادة الجماعية ضد المسلمين في البلقان يبرر التدخل العسكري ضد الصرب. لكن لم تلتزم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة رسميًا بمبدأ مسؤولية الحماية حتى عام 2005.
وأردف: على الرغم من حقيقة أن جميع الدول الأعضاء وقعت على الاتفاقية، إلا أن الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الرائدة كانت تعتبر القوة الدافعة وراء تنفيذها.
حماية المدنيين
وتابع: كان من المفترض ضمان مسؤولية الحماية لجميع المدنيين حقا أساسيا في الحماية من أسوأ أشكال الفساد في العالم. لكن منذ البداية، كان لهذا المبدأ العديد من العيوب الأساسية التي من شأنها أن تجعل تنفيذها صعبا ما أدى في النهاية إلى زواله في ساحات القتل في سوريا.
وتساءل: ما الذي يشكل جرائم إنسانية خطيرة لدرجة أن المجتمع الدولي ملزم بتجاهل سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة والتدخل، سواء بوسائل سلمية أو عسكرية؟ من يجب أن يتدخل، وكيف؟ ماذا لو كانت الدولة المخالفة عميلة لقوة عظمى، يمكنها منع أي قرار باستدعاء مسؤولية الحماية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟
وأردف يقول: لا أحد يستطيع أن يدعي عدم علمه بالحجم الهائل لانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت وما زالت تحدث في سوريا. كانت هذه واحدة من أكثر الحروب توثيقًا، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى المواطنين الصحفيين الشجعان الذين خاطروا بحياتهم على الأرض في سوريا. لكن الحرب عانت أيضًا من سيل هائل من الدعاية والمعلومات المضللة المستهدفة لإرباك الجمهور ووسائل الإعلام.
أفظع انتهاكات
وتابع: إن الهجمات الصارخة والموجهة على المستشفيات والمراكز الطبية، وقصف مدن بأكملها، واغتيال الصحفيين، واستخدام أساليب الحصار والاستسلام هي من أفظع انتهاكات حقوق الإنسان. ردا على ذلك، أصدرت الأمم المتحدة بيانات إدانة فارغة، وعقدت اجتماعات ساخنة لمجلس الأمن، وطالبت بضبط النفس بشكل غير فعال.
لكن، وبحسب الكاتب، أظهرت الحرب السورية مرة أخرى عقم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يسيء أعضاؤه بشكل روتيني استخدام حق النقض لحماية عملائهم، فالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا تدعم المعارضة السورية. وروسيا تدعم نظام الرئيس السوري القوي بشار الأسد. والصين ترفض فكرة التدخل لإسقاط حكمه. كانت طبيعة نظام الأمم المتحدة، لا سيما هيكل مجلس الأمن، مسؤولة في النهاية عن قتل أي فرصة لتنفيذ مسؤولية الحماية.
ولفت إلى أنه بسبب هذا الوضع بددت الأمم المتحدة شهورًا ثمينة فقط من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن إيصال المساعدات الإنسانية للسوريين في الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون عبر الحدود التركية والعراقية، وليس فقط من خلال دمشق التي تسيطر عليها الحكومة، بدلاً من التركيز على التوصل إلى حل قابل للتطبيق للأزمة السورية ككل.
باراك أوباما
والبداية في موت المسؤولية عن الحماية في سوريا كان في سبتمبر 2013، مع رفض الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في الرد على الهجمات الكيماوية التي شنها نظام الأسد ضد المدنيين رغم إعلانه أن ذلك خط أحمر. وكذلك كان موقف الأمم المتحدة، بما كان يعني بداية التخلي عن مفهوم حماية السوريين.
وتساءل: إذا لم تتمكن الأمم المتحدة أو القوة العظمى الرائدة في العالم أو ما يسمى بالمجتمع الدولي من الالتزام بحماية المدنيين من الحرب الكيماوية والبيولوجية، ففي أي حالة سيتصرف أي منهم على الإطلاق؟