الأمصار هي تلك البلاد العربية، التي يقطنها جيراننا من إخوتنا المسلمين أحفاد طلائع الفتح الإسلامي، الذي زحفت جيوشه من جزيرة العرب، أيضًا هم أبناء القبائل العربية العريقة، التي هاجرت قبل نحو ثلاثة قرون بسبب الجفاف وشظف العيش، هم مَنْ نصروا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالمدد الشامي، هم أولئك الذين كانوا لا يأكلون العنب في الشام حتى يأكله أهل المدينة، هم جيوش بني أمية وبني العباس، هم وصية الفاروق -رضي الله عنه-: «وأوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإِنَّهم ردء العدوِّ، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إِلا عن فضلٍ منهم..»، وهنا نصل إلى السؤال الكبير، الذي نطرحه على كل مَنْ يتبنى معاداة شعوب ودول الجوار الشمالية: لماذا ولمصلحة مَنْ استعداء جيراننا العرب؟!، لماذا نخسر العراق وسوريا وفلسطين ولبنان والأردن؟!.
إن أمننا القومي يبدأ من جيراننا العرب وليس من إسرائيل أو تركيا أو إيران، وأكاد أجزم بأن تلك الحملة الشعواء كان هدفها فك الارتباط النفسي مع أهلنا في العراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين ليسهل تقبل صفقة القرن، التي فشلت كما فشلت القبة الحديدية الإسرائيلية مؤخراً، ولتتقبل تلك الشعوب الشقيقة التمدد الإيراني والتركي والإسرائيلي في المنطقة على حساب أمننا الوطني. على دولة الاحتلال ومَنْ يدعمونها أن يدركوا بأن الحل ليس في تفريق العرب وتحريك القوى الناعمة لتفكيك السلم والأمن العربي، بل في قبول إسرائيل بالمبادرة العربية، وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وليس في تشويه (عرب الشمال) والزج بالمجتمعات العربية في عداء متبادل لا أساس له في صفحات التاريخ والجغرافيا والقومية.
ويكاد يكون لزاماً على المثقفين والمتابعين في هذه المرحلة ملاحظة الحملات الإعلامية الممنهجة، التي تضر بالأمن المجتمعي والوطني، وتوعية الجميع بخطرها وآثارها السلبية التدميرية، ومنها محاولة عزلنا عن محيطنا ومجالنا الحيوي مع بلاد المشرق والمغرب العربي؛ ففقد الجار الأقرب لن يؤدي إلى كسب الند أو الخصم الأبعد.
@falkhereiji