الارتباط بأي كاتب أصيل يُفترض ألا يقتصر على أعماله الأدبية فحسب، بل يتولَّد لدى القارئ النهم شغف التعرّف على مناحٍ أخرى من حياته فيتابع لقاءاته التليفزيونية والصحفية ويقرأ سيرته في الويكيبيديا وغيرها.
فأعماله الأدبية مهمة، لكن معرفة كواليس هذه الأعمال وحديثه عنها وعن طقوس وظروف كتابتها لا يقل أهمية.
مثلًا: ما يُميّز الروائي المصري محمد المنسي قنديل خلاف الأرضية التاريخية الثرية والشاسعة، التي يتكئ عليها في أعماله الأدبية وترابط الأحداث وتماسك الجمل وفخامة اللغة، أيضًا استحواذه على دلالات المكان واستنطاقه لتضاريسه واستعراضه لجغرافيته بأدقّ الصور الذهنية، حيث يأخذك إلى هناك وأنت هنا، ويجعلك تعيش اللحظة وكأنك جزء منها، وفي لقاءاته التليفزيونية كثيرًا ما يتحدَّث عن أهمية ما سماه بجغرافية المكان، وأهمية سفره للأماكن، التي كتب عنها مثل: المكسيك كي يكتب رواية (كتيبة سوداء)، وكذلك سفره إلى سمرقند في أوزباكستان لكتابة رواية (قمر على سمرقند).
الكاتب الأصيل المُولَع بالكتابة تجد روحه مُنسكِبةً في ثنايا نصوصه، لذلك يشعر القارئ المُتلمّس للتفاصيل بأن الكاتب ترك أشياءً منه في تلك النصوص جعلت حوّاسه -أي القارئ- ترتطم بكتلة من تلك الأشياء.
وأبسط تعريف لعلاقة الكاتب والقارئ بالنّص، الذي يجمعهما هو «استغراق يقابله إغراق».
المُولَع بالقراءة تدهشه عباراتٌ كثيرةٌ، وتستوقفه مفرداتٌ عديدة فيعبر عليها مُترفِّقًا، والقارئ المُخلص -الذي يضع ضمن حزمة أهدافه رفع حصيلته اللغوية- لن يسمح لعبارة أو حتى مُفردة ارتطمتْ بكتلة حواسّه وأدهشتها أن تُفلِت منه دون أن يودعها ترسانة ذخيرته.
كيف ذلك؟ بالتعليم والتدوين. وهذا ما يُسمى بـ «القبض على الكلمات».
هناك نقطة مهمة غائبة عن الكثير من الناس، وهي أن النقد الذي يُوجّهه الكاتب أحيانًا يعني به نفسه أو يكون مشمولًا به، فجمال الآداب والفنون في الرمزية الناعمة وليس المباشَرة الفجّة في التناول.
الناس تظن هنا أن الكاتب يُمارس مثاليةً زائفة عليهم، وهو واقع يُمارس جلد الذات بصورة مُبطّنَة.
@raedaalbaghli