يعتبر علم الميكروبات (المكروبيولوجيا، علم الأحياء الدقيقة) البيطرية علما نابضا متجددا مفعما بالحياة. فلا يمكن (على وجه الاستحالة) أن تمضي فترة قصيرة دون اكتشاف ميكروب جديد أو تصنيع لقاح أو تجلّي علاقة ميكروب ما بمرض معيّن. وما يجعل هذه الأمور متكررة الحدوث ومستجدة على الدوام هو بسببين
الأول أن أغلب الميكروبات المسببة للأمراض البشرية هي حيوانية المصدر، ويكون تأثيرها مباشرا عليه إذ يمكن لضراوتها أن تقتل الإنسان والحيوان.
والسبب الآخر هو أن بعض الأمراض الحيوانية (وإن كانت لا تنتقل للإنسان) لها علاقة بنمط حياة الإنسان وجودتها وهذا يتمثل في انخفاض جودة ووفرة المنتجات الحيوانية وبالتالي التأثير غير المباشر على الإنسان.
وبينت المنظمة العالمية لصحة الحيوان أن 60% من الأمراض المعدية البشرية الموجودة هي حيوانية المصدر، و75% على الأقل من الأمراض المعدية الناشئة للبشر (بما في ذلك الإيبولا وفيروس نقص المناعة البشرية والإنفلونزا) من أصل حيواني وكذلك 80% من العوامل التي يحتمل استخدام الإرهاب البيولوجي هي مسببات الأمراض الحيوانية المنشأ و5% تظهر أمراض بشرية جديدة كل عام ثلاثة من أصل حيواني، وفي تقرير نشرته صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية إن ما نغفل عنه اليوم هو أن الأطباء البيطريين يعرفون الكثير عن مختلف الفئات الفيروسية منذ عقود، وهم يواجهون أوبئة مستجدة كل خمس سنوات. لذلك أن البيطريين يتميزون بإدارة العناصر الكبيرة داخل القطيع بينما الطب البشري يركز على الفرد. وأعظم إنجاز حاليا للطبيب البيطري هو لقاح كوفيد 19 (فايزر- بيونتيك) والذي منح للعالم أملا في نهاية محنة الوباء فإن الرئيس التنفيذي لشركة فايزر هو الطبيب البيطري إلبريت بورلا.
ومن أوائل من اهتم بالطب والطبيب البيطري في مكافحة الأمراض الحيوانية في القرنين السابقين هما المدرستان الفرنسية (١٧٨٢) والأمريكية (١٨٧٩) وعملت على تطوير مخرجات هذا العلم وتخريج المتخصصين في شتى مجالاته حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من تطور متسارع برع فيه الطبيب البيطري في سرعة الاستجابة للطوارئ والكوارث وإدارتها، وكذلك في إنتاج اللقاحات وإجراء الأبحاث والدراسات (سواء على الحيوان أو على منتجاته) التي من شأنها حفظ البشرية والثروة الحيوانية من مختلف الأمراض الميكروبية.
[email protected]