* لفت انتباهي وأنا أتابع البارحة لقاءً مع الإعلامي والمستشار الأمني سابقاً بوزارة الداخلية الأستاذ/ سعود المصيبيح، حيث تطرق فيه إلى ما أفرزته لنا موجة ما سُمِّيت -في نظري زوراً وبهتاناً بالصحوة-، وتذكرت فعلاً بعض الممارسات البلهاء من بعض مَنْ تأثروا قبل أكثر من ثلاثة عقودٍ بذلك الفكر الظلامي، فقد مرَّ في ذاكرتي ما يناسب هذا المقام، الذي تطرق له الأستاذ المصيبيح صورةً تناقلها الناس لشخصين دعيا إلى إحدى المناسبات الخيرية في منطقة الجوف قبل سنواتٍ، وظهرا في الصورة جالسَينِ في مقعديهما ولم يقفا مع الحضور أثناء ترديد النشيد الوطني إجلالاً لراية التوحيد، التي تزيِّنها عبارةٌ خالدةٌ تحمل كلمات نصَّ أول ركنٍ من أركان الإسلام بعدما أنعم به علينا الحقُّ تبارك وتعالى بأن جعلنا مسلمين وجعلنا أمةً وسطاً، كما أن الوقوف في هكذا مناسبة يعني استشعار حب الوطن وقوة الانتماء له ولم أجد سبباً مقنعاً لعدم وقوفهما مع الحاضرين.
* فعندما يتخلَّى الإنسان عن عقله، الذي وهبه الله وتكون الألباب منغلقةً تجد أن الحمقى قد قيَّدوا فهمهم وعقولهم بأغلالٍ شدِّوا وثاقها على أنفسهم نتيجة الاندفاع الأعمى والسير خلف شعاراتٍ ظاهرها التديُّن والإصلاح وباطنها تلويث الفكر وتشويه سماحة الإسلام وتصدير الكراهية لكل ما هو جميل في ديننا بعدما تشرَّبوا الأفكار البغيضة الهدَّامة فانعكس ذلك بتلقائيةٍ على أفعالهم وأقوالهم كما حدث من عدم وقوف الرجلين المتقدم التنويه عن تصرفهما خلال ترديد النشيد الوطني وهو بعباراته، التي تشّعُّ روحانيةً بعظمة الخالق سبحانه (مجِّدي لخالق السماء، وارفعي الخفاق أخضر يحمل النور المسطَّر - نعم...فأي نور أشدُّ وضاءةً وأبهى وأوقر في القلب من قول لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله. ثم بقية الكلمات الجميلة... رددي الله أكبر....).
* وأكاد أجزم بأن مثل تلك الممارسات الخرقاء إمَّا أنها من التديُّنٌ الظاهريٌ المخادع وصاحبها ليس متديِّنا أصلاً، وأن له مآرب أخرى كما ثبت من الأهداف المشبوهة لبعض رموز تلك الصحوة، أو أنه يعاني من جهلٍ مركبٍ بعدم الفهم الدقيقٍ للمقاصد الشرعية لنصوص الشريعة، التي تؤطر تعاملاتنا وترسم لنا نهج حياةٍ صالحةٍ في أولانا وأُخرانا، والأمر لا يتعدّى ركوب موجة تلك الصحوة، التي أراها ظلامية وليست صحوةً.
* والسبب وراء ما يحدث في وقتنا الحاضر هو كون الأمة ابتليت بأحد تيارين متناقضين، الأول: أن هناك مَنْ يلوي أعناق النصوص من منظورٍ ضيِّقٍ ليخالف به وسطية واعتدال الدين القويم والرسالة، التي جاء بها رسول الهدى ومعلِّم البشرية -عليه أفضل الصلاة والسلام-، فلا ريب أن هذا من التّنطُّع الممقوت ومن التَّزمت الذي ما أنزل الله به من سلطان، أو التيار الثاني: الذي استبشر بالتحول الجديد والانفتاح، الذي جعل منه انفتاحاً غير منضبط قد يتطوَّر مع استشرائه واتساعه إلى أن نفقد هويتنا، والحل الوحيد أن المسلم العاقل يستفتي قلبه ويضع نصب عينيه أنه في محطة ابتلاءٍ ويتمثل قول الله سبحانه وتعالى: (وقفوهم إنهم مسؤولون) فلا إفراط ولا تفريط.
[email protected]