أنا أعلم أنك الآن ربما تعاني من صدمة نفسية جراء الواقع الذي تعيشه، لأنك ربما اكتشفت مؤخرا أن الدراسة الجامعية ليست إلا مجموعة كتب ومعلومات عامة ليست بالواقع ما تحتاجه في حياتك العملية. وأن الشهادة الجامعية ما هي إلا كمالة عدد وليست حقا ما يجعلك مؤهلا للمنصب الذي تستحقه. وأن ما ظننته آخر اختبار ما هو إلا بداية لحقبة من الاختبارات المهنية التي يجب عليك اجتيازها. أيضا، الكتب التي تبرعت بها بعد التخرج.. حتما ستعيد شراءها لتتجاوز الشهادات المهنية الأخرى.
هل سمعت يوما بـ (اعط الخباز خبزه) بمعنى (اترك الشغل لأصحابه).. خلال فترة ما بعد اجتياز المقابلة وبداية الخبرة الوظيفية.. لا تتفاجأ لأنك سترى الخباز يعمل طيارا وليس حقا يخبز خبزه. ستدرك أنه حتى سوق العمل ما هو إلا تجارة، إذا أردت المنصب فادفع خمسة آلاف لتجتاز دورة ما وانبش في الأرض لتستطيع أن تأتي بألفين زيادة لتستطيع أن تحجز مقعدك للاختبار المهني المتعلق بذلك المنصب، وجميع الأشياء حولك تشير لك (هذا وجهي إذا عديته).
والكثير الكثير من الأمور المتناقضة التي ستضطر أن تتخلى عن مبادئك حتى تستطيع أن تكون أسرة وتستقر ماديا وتعيش بسلام. أنا أعلم أيضا أنك قد وصفت مسبقا فيتامين (د) بالسم المر القاتل، ولكن عندما تسمع: (وظفوه، موصي عليه المدير الكبير)، ستشعر بأنه ليس مرا ولكنه أشبه بالحلوى البحرينية ويمكن أن يروق لك الموضوع فتطلب وراه متاي وساقو.
عزيزي حديث التخرج..
أرى أنك قد كتبت في سيرتك الذاتية (حديث التخرج بمعدل عال).. أخجل أن أقول لك إن سعيك لتحقيق هذا المعدل ما هو إلا بداية المشوار.. وإن حياتك مجملا تتكون من سؤال واحد (وش المفروض أسوي بعد؟). فلان سينصحك بالاختبار الفلاني وفلان الآخر سينصحك بإكمال الدراسة والآخرون سيحثونك على أخذ الدورات المتتالية التي لا نهاية ولا فائدة مهنية لها. وبعد كل هذا، ستسمع كلمة: (مؤهلاتك لا تناسب الوظيفه المطروحه.. الله يوفقك).
دعني أخبرك سرا.. كل ما سبق عبارة عن طرق وعرة.. ستحتاج لوقت وجهد ومال حتى تحصل على الفرصة الوظيفية الذهبية التي كنت تترقبها بشدة. في بلاد العجائب بالتحديد ما وراء البحار والأنهار، أول نصيحة يحصل عليها أبناء العيون الزرق في بداية مشوارهم الدراسي هي حضور الحفلات الرسمية واجتماعات الشركات التجارية والنوادي الطلابية لاغتنام الفرص وتكوين العلاقات الاجتماعية مع أفراد مهمين في المجتمع، منهم مدراء وأصحاب شركات معروفة. ومن ثم بعدها تأتي الخبرة العملية والعلمية وتنمية القدرات الشخصية.
أن تقوي علاقاتك الاجتماعية هذا لا يعتبر (أنك قطيت وجهك)، بالعكس تماما، أنت تحاول أن تبرز نفسك من بين الآخرين من حديثي التخرج. العلاقات الاجتماعية في العمل أو الجامعة أو غيرها هي أشبه بالنافذ الذي تستطيع أن تعرض فيه مدى اجتهادك وتعبك، وأنك جدير بالفرص الموجودة في سوق العمل.
عزيزي حديث التخرج..
تخيل معي أنك تقدمت إلى وظيفة ما ولكن بسبب خبراتك العملية المحدودة لم ترشح للمقابلة، ولكن لحسن الحظ أنك تعرف شخصا مهما في تلك المؤسسة. تواصلت معه، ومدحك بكلمتين لدى الإدارة، في غضون ساعات، تلقيت طلبا لحضور المقابلة الشخصية.
عزيزي حديث التخرج..
احذر أن تفسر العلاقات الاجتماعية بالواسطات، ما أقصده هنا أن تغتنم الفرصة وتروج لأعمالك وإنجازاتك وأن تعطي الناس فرصة كي يروا حقيقة قدراتك وقوة شخصيتك عن قرب. الانخراط في العلاقات الاجتماعية سيساعدك في كسب المزيد من الثقة والتخلص من التوتر لتستطيع أن تتخذ قرارات مهنية وتتصرف بشكل مناسب في الوقت المناسب. جم هائل من الحسنات وراء تكوين العلاقات الاجتماعية القوية فهي من أيسر الطرق وصولا إلى المنابر والقمم فلا تستهن بها.
Almasketm@