وبعد ما يُقارب الأربعة عقود وبفضل وعي ولاة الأمر وانتباههم إلى المشروع، الذي يُبطنه دعاة الصحوة إلى الإخوانية، بدأت تتفكك اللزوجة للمادة الإيدلوجية، التي صنعوها في المجتمع من ازدراء المرأة والتقليل من شأنها ومكانتها وحركتها، ومن الكراهية بين المذاهب الإسلامية وتعايشها، ومن الانفتاح على الآخر والخوف منه، ومن الجمود والتقوقع في التعامل مع كل ما هو جديد، ومع حرية الناس في اختيار الطريقة والأسلوب في حياتهم بما لا يتعارض مع أنظمة الدولة وتعليماتها، وقد ضعف وانهار هذا التماسك للحد، الذي أنتج معه مفهوما معاكسا وهو الميوعة الفائقة.
وهذا التحول ملحوظ يوما بعد آخر من ضعف لزوجة الصحوة إلى ميوعة الانفتاح، وهو طبيعي كنتيجة للمأساة والضغط الذي خلفته الصحوة في نفوس الناس، وكان الرد عليها وعلى بشاعة وفظاعة لزوجتها ببعض التصرفات المعاكسة في حدتها، وقد أدت إلى ما يُشبه الانحلال والانفلات في بعض السلوكيات في العادات والتقاليد والتمسك بالسنة ومأثور السلف الصالح.
فميوعة الانفتاح الشخصي لكل فرد من أفراد المجتمع هي تحدٍ جديد لم يكن موجودا من قبل، وصراع الإنسان مع ذاته أصعب من صراعه مع غيره في إشباع رغباته وشهواته، ففي صحوة الأمس كان التعويل على قوة لزوجتها في المحافظة على الفرد من الميوعة وآثارها، وأما اليوم فقد أصبحت اللزوجة مسؤولية شخصية تنمو كل يوم كمادة مستقلة تَبني قِيمها واتجاهاتها وعقيدتها فتكون عنوانا لها أمام ذاتها وأمام الآخرين.
وما نلاحظه اليوم من سلوكيات وتصرفات في الغالب نمتعض منها ومن قوة التغيير فيها وتجعلنا نترحم على زمن الصحوة في غيابها والسيطرة عليها، ما هي إلا محطة توقف وتبديل اتجاهات، وعلى الجميع أن يتفهم المخاطر الجديدة في التحول، وألا تستغلنا صحوات جديدة بمسميات براقة لتأخذنا من لزوجة أنفسنا إلى لزوجة أهوائها ومصالحها، ثم نُحملها النتائج كما حملنا الصحوة البغيضة من قبل في أخذنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من ميوعة فائقة نحاول جاهدين الخروج منها بصعوبة إلى ما هو أفضل لأنفسنا ووطننا وإنسانيتنا.
[email protected]