يخطر هذ السؤال في تفكير الكثير من الناس، والجواب قد يكون غير متوقع أو محيرا للكثيرين منهم بينما هو بديهي وموثق علميا للأطباء النفسيين، وهو أن هناك علاقة وثيقة بين الأمراض الطبية والنفسية. المعلومات التي سأذكرها هنا تؤدي في النهاية إلى محصلة واضحة بأن هناك كثيرا من الأمراض النفسية تسبب أمراضا طبية والعكس صحيح. ويتجنب الكثيرون هذه الحقيقة العلمية بسبب عدم فهمهم للعلاقة الوثيقة بين هذه الأمراض أو بسبب الوصمة الاجتماعية للمرض النفسي. في الواقع أن هناك تخصصا في الطب النفسي يعنى بهذه الأمراض ويسمى الطب النفسجسمي وهو فرع من الطب يعنى بالأمراض النفسية الجسمية (أو الأمراض السيكوسوماتية)، وهي أمراض تؤثر فيها العوامل الذهنية والنفسية للمريض تأثيرا كبيرا في ظهور الأمراض الطبية، والأمثلة على ذلك كثيرة أذكر بعضا منها: الصداع النصفي (الشقيقة)، والأكزيما، ضغط الدم وقرحة المعدة، والقولون العصبي وآلام العضلات (متلازمة الإرهاق المزمن) الفيبرموليجيا......إلخ، وعند إجراء فحص طبي مثل الأشعة وتحاليل الدم، لا يظهر لهذه الأمراض أي أسباب جسمية أو عضوية. وهناك أيضا أمراض تنتج عن حالة عاطفية أو مزاجية، مثل الغضب أو القلق أو الكبت أو الشعور بالذنب، وفي مثل هذه الحالات تعتبر هذه الاضطرابات أمراضا نفسية جسمية. وتختلف الأمراض السيكوسوماتية عن الهستيريا التحولية والتي قد تتسبب في ظهور أعراض شلل مثلا أو فقدان البصر المؤقت والذي قد يدوم أحيانا لمدة طويلة، في أن الهستيريا لا تسبب خللا عضويا حقيقيا، حيث يكون العضو سليما ولكنه غير قادر على القيام بوظيفته، بينما في الأمراض السيكوسوماتية فإن العوامل الانفعالية والنفسية تؤدي إلى حدوث خلل في التكوين العضوي في الجسم للجزء المصاب، مثل حالات قرحة المعدة أو التهاب المفاصل.. إلخ. وهناك أيضا الكثير من الأمراض الطبية التي تتسبب في ظهور أعراض نفسية، فمثلا أمراض الغدة الدرقية قد تتسبب في أعراض قلق واكتئاب بينما تتسبب جلطات القلب والدماغ في أعراض اكتئاب شديدة وتسبب أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو في أعراض قلق شديدة في الأطفال والكبار، كما أن اضطرابات الغدة الكظرية التي تفرز الكورتيزول تتسبب في أعراض نفسية كثيرة تشمل اضطرابات المزاج وحتى الهلاوس والذهان. وخطر هذه الأعراض أنها تعقد الصورة والأعراض الطبية وتزيد من شدة الأعراض وتؤثر على تجاوب المريض للعلاج وعندها يصعب تحقيق تقدم في حالة المريض بدون استشارة الطبيب النفسي. ولا ننسى أن كثيرا من الأدوية التي توصف لعلاج أمراض طبية قد تتسبب في ظهور أعراض نفسية والقائمة هنا طويلة جدا. وهناك عدة عوامل وظروف تتسبب في ظهور الاضطرابات النفسجسدية تشمل الصراع النفسي داخل الذات أو مع الغير الناشئ من الضغوط التي يتعرض لها الشخص في حياته، معاناة الفرد من صعوبات واضطرابات التكيف، أو بمعنى آخر عدم قدرة الفرد على التكيف مع المتغيرات التي تطرأ على حياته وخاصة التغيرات التي توقعه فريسة للتوتر، الحساسية المفرطة وشعور الإنسان بالذنب تجاه أى تصرف يصدر منه أو يصدره الآخرون تجاهه، افتقاد الشخص للحب والأمان ومصدر الطمأنينة وإحساسه بالهدوء والراحة، وبالتالي قدرته على التعامل مع الضغوط، عدم قدرة الفرد على تحقيق احتياجاته الأساسية، مما يولد لديه صراعا داخليا ينعكس على نفسيته التي تسبب إصابته ببعض الأمراض الجسدية، العادات السلبية التي يلجأ البعض لها لتخفيف التوتر والشد العصبى الذي يتعرض له الإنسان مثل التدخين وشرب الكحول. وأخيرا التجارب القاسية والسلبية التي يمر بها الفرد في حياته، مثل الفشل أو وفاة شخص قريب إلى نفسه والإحساس بفقدان السيطرة على حياته وما حوله. ويتم التشخيص في كثير من الأحيان بناء على تاريخ الحالة والأعراض وغياب أي دليل طبي يدعم وجود الحالة المرضية، ويكون التشخيص في كثير من الأحيان مفاجأة لأسرة المريض فلا يصدقون أن الشلل مثلا سببه حالة نفسية ويتهمون الطبيب بأمور كثيرة هو بريء منها. الأمثلة التي تتكرر هنا هي حصول شلل نصفي لفتاة شابة عند إجبار والدها لها على الزواج من شخص هي ترفضه. العلاج نفسي وتوصف الأدوية لعلاج الاكتئاب أو القلق بالإضافة لعلاج المرض الطبي إن وجد. وقانا الله وإياكم من كل الأمراض ومتعنا وإياكم بالصحة والعافية.
@almaiahmad2