الرطب باب واعد للتسويق بالخارج.. والمهرجانات قدمت دعما كبيرا
الزراعة في تربة غير صالحة أو ينقصها الماء «هدر» للجهد والمال
المصانع ينقصها المتخصصون ونحتاج لدور الجامعات في التطوير
50 عاما عاشها شيخ سوق التمور بمحافظة الأحساء وعضو اللجنة الزراعية بالغرفة التجارية، عبدالحميد الحليبي الشهير بـ«ابن زيد» بين أحضان النخيل وأمهاد التمور، اكتسب من خلالها خبرة طويلة، مكنته من معرفة أنواع التمور من الوهلة الأولى لها، حتى لقب بـ «شيخ سوق تمور الأحساء». وفي حواره مع «اليوم»، أكد «الحليبي»، أن المهنة بحاجة إلى استعادة مجدها السابق، مشيرا إلى أن المزارع تعاني من قلّة الأيدي العاملة وارتفاع التكاليف وكثرة الإصابات الحشرية وأخيرا جائحة كورونا، وهو ما أسفر عن تكدّس المنتج وبالتالي تدني أسعاره واضطراب السوق. وأكد أن الحل يكمن في اختصار التكاليف، ومتابعة المالك مزرعته، والاكتفاء بالأصناف المجدية من النخيل، والتركيز على الأنواع المطلوبة دوليا، إضافة إلى تنظيم الأسواق وعدم تسليم المهام الرئيسية لعامل وافد.
وإلى نص الحوار:
كيف اكتسبت واحة الأحساء مكانتها في النخيل وصناعة التمور؟- تُعد واحة الأحساء أكبر واحة في العالم، إذ تبلغ مساحتها أكثر من 85.4 كيلو متر مربع، وتضم نحو 3 ملايين نخلة، تتغذى من طبقة مياه جوفية ضخمة ومروية من خلال تدفق أكثر من 280 بئرًا ارتوازية، مما يسمح بالزراعة على مدار السنة في منطقة صحراوية رملية.
ماذا عن الواحة قديما وحديثا، وما الذي اختلف؟
- الواحة قديما تختلف جذرياً عن الواحة حديثاً، فالواحة قديماً هي عبارة عن نخيل وعيون وأنهار وسهول وبعض البلدات المتفرقة بين هذه النخيل والأنهار تجري في بطن الواحة، ومحصورة في عدد نخيل أقل مما هو موجود الآن، وكانت مليئة بأشجار الفواكه من المشمش والرمان والعنب والخوخ والتين وبعض أنواع الخضار، وكذلك البطيخ الأحسائي وضواحي الأرز.
أما الواحة حديثاً وبعد أن دخلت المدنية الحديثة، فقد اختلفت من حيث المساحة، إذ اعتدت المباني الحديثة على المزارع والأنهار القديمة ودفن أغلبها، وتوجد بعض العيون من القديم موجودة الآن، ومن بين التغير الذي حدث هو اتساع رقعة الزراعة والري الحديث بدلا من الري القديم وبعض العيون غارت وبعض العيون نقص ماؤها، كما أضيف حاليا ماء معالج لدعم المزارعين، وكذلك أنشئت مصانع تمور تجمع الثمار من المزارعين وتسوقها وتصدرها، وبالتالي فإن هناك إيجابيات تحققت، لمواجهة السلبيات.
ما أبرز التحديات، التي تواجه زراعة النخيل في محافظة الأحساء؟
- النخل في السابق كان ذخيرة مالية واكتفاء ذاتيا وغذائيا وجميع خاماته من سعف وجذع وكرب وليف مصادر دخل وطاقة ومواد بناء وسكن، لذلك فإن «راعي النخل غني»، ثم جاء عصر التطوير والنهضة الزراعية والاقتصادية وتحول النخل إلى استثمار لإنتاج التمور فقط وترك باقي منتجاته من الخامات الأخرى، ومع كثرة الإنتاج وحصر المنتج على التمور زاد العرض وأصبح الطلب أقل، فهو ليس طعاما أساسيا في عصر أصبحت الثمار تتدفق على البلاد من كل جانب، ومع زيادة الرفاهية والترف وظهور أنواع جديدة من الحلويات كـ«الشيكولاتة» وغيرها، ضاقت المهنة على المزارع، وأصبحنا نعاني من قلّة الأيدي العاملة وارتفاع التكاليف وزيادة مصادر الطاقة وكثرة الإصابات الحشرية وأخيرا جائحة كورونا وتكدّس المنتج، وبالتالي تدني أسعاره واضطراب السوق.
هنا نتوقف ونسأل.. ما هو الحل؟
- الحل: اختصار التكاليف، ومتابعة المالك مزرعته، واختصار البقعة الزراعية بالمفيد منها، وإيقاف الصرف للكماليات، والاكتفاء بالأصناف المجدية من النخل، وتنظيم الأسواق وعدم تسليم المهام الرئيسية لعامل وافد والاسترخاء بعيداً عن الهم والمسؤولية، وغرس النخل بإستراتيجية وعلى مراحل وبشكل متوازن، بحيث لا يتوقف الغرس، ولا نغرس دون جدوى، مع تعاون المزارعين في مكافحة الفساد البشري والحشري، واحتساب المزارعين الأجر من عند الله تعالى، في غرسهم وزرعهم.
كيف ترى مستقبل التمور؟
- إذا كنا نحرص على مستقبل التمور؛ فلا بد من إنشاء جمعية زراعية تعاونية ربحية خاصة بصناعة التمور، فهو أمر لا بد منه لمواكبة الظروف الحالية للقطاع، مع التركيز على الأصناف المطلوبة والأسواق الدولية المستهلكة.
حدثنا عن مستقبل التمور التحويلية؟- الصناعات التحويلية للتمور قد تستهلك 15 % من إنتاج التمور فقط، والمعوّل على استهلاك التمر محلياً ودوليا الصناعات التحويلية للتمور، وسائر معاملات التمور تفتح مجالات عديدة لتوظيف الشباب والأسر المنتجة، وتعمل على تطوير المنتج وسهولة تسويقه، فالمصانع ينقصها المتخصصون، ونحن بحاجة لدور جامعاتنا والكليات التقنية لتطوير المهنة علمياً وصناعة المهارات.
للنخلة ومشتقاتها ومخلفاتها فوائد.. هل تم الاستفادة منها؟
- النخلة ليست لها مخلفات، وإنما هي مشتقات النخيل وخاماتها، فمن مخلفات النخيل تنتج الأعلاف، والأسمدة، ومواد التنظيف، «الليف» الذي يستخدم في تنظيف الأواني، الذي مع الأسف نستورده من الصين حاليًا، وكذلك الحطب الذي نحتاج إليه شتاءً للتدفئة، وربما للطبخ خارج المدن أو داخلها أحيانًا، أما المنتجات الأخرى من النخيل وهي الأهم، فهي التي تسهم مساهمة فعالة في توافر الغذاء الجيد من تمور، ودبس، ومشتقات ذلك وما في محتوياتها من الفيتامينات، التي لها الدور الإيجابي في غذاء الإنسان والحيوان معًا، فالإنسان له التمور والدبس، والحيوان له مخلفات التمور، والأعلاف، المختلفة التي تنتج من مخلفات النخيل، وأما المنتجات الأخرى التي ننتجها من سعف النخيل، كالحصر، والمراوح اليدوية، والزنابيل، والأواني والقلل، التي هي بحق من أحسن المنتجات.
كيف ترى مهرجانات التمور في المحافظة؟
- مهرجان التمور في محافظة الأحساء ساهم بشكل كبير في تسويق التمور، وعاد بالنفع على التجار والمزارعين، لا سيما أن عدد معارض التمور في المملكة قليلة، وأتوقع أن تنتج محافظة الأحساء هذا العام كعادتها حوالي 120 ألف طن من التمور، وأغلبها من نوع «الخلاص» وستكون الأسعار منخفضة ولا توفي تكاليف النخلة.
كيف يحافظ المزارع على النخلة وإنتاجه؟
- من المهم الإدارة الجيدة واتباع العمليات الزراعية السليمة ومتابعة الخبراء والمهندسين المعتمدين؛ حتى ينجح المزارع ويحافظ على زراعته ونخيله وإنتاجه.
ما هي أبرز المنتجات، التي تتميز بها محافظة الأحساء؟
- محافظة الأحساء غنية بمنتجاتها، ومن أبرزها التمور والبصل والثوم الأحسائي والباميا، الباذنجان، الخوخ، المشمش، التوت، الترنج، التفاح، الورد الأحسائي الحلوة (الينسون) السمسم، الليمون الأخضر، القرع، اللوبيا، البرسيم، حب الرشاد، السدر فضلا عن الأرز الحساوي وهو «الأرز الأسمر»، وكذلك الخبز الأحمر الأحسائي، فهو العنصر الأساسي من المخبوزات والأكلات الشعبية.
لكن هناك مَنْ يقلل من مهنة الزراعة؟- نعم، بُعد المزارع المواطن عن مهنته وتسليمها للعمالة، الذي امتهن مهنة أساسية واستفاد منها هذا العامل الأجنبي، والفلاحة هي الوسيلة الوحيدة، التي تضْمن بِها الدّول استقلالها الخارجي، فلو كان لكَ ثَروات العالم كله بينما ينقصك الطّعام، فإنك ستكون تحت رحمة الآخرين، فالزراعة أصل الصناعة والتجارة، ومع قليل من الصبر والتشجيع لشبابنا للدخول في الأعمال الزراعية فسنجد النتيجة إيجابية، وقد تفاجأت برغبة شديدة منهم وتعلّق بالعمل معي في حقول الزراعة وهذا أمر جميل.
كثير من المزارعين يشتكون من قلة الماء وتأثر مزارعهم؟
- نعم، هناك بعض الأماكن في المحافظة فقدت الماء وعلى المزارع عدم المغامرة بالزراعة فيها ما لم تحل المشكلة.
وماذا عن صناعة الرطب؟
- الرطب مصدر رزق، وبقدر حاجتك من الرطب حدد النخلات التي تكفيك وخصصها للرطب، فالنخلة التي تجنيها رطبا لا تصلح أن تصرمها تمرا، وتخزين الرطب مجمداً وبيعه في غير وقت توافره طازجا سيحل مشكلة وفرة العرض في وقت محدود، وهو باب للتصدير خارج المملكة، فإذا كان العنب والفراولة وغيرهما من الفواكه، التي لا تتحمل حفظ ولمدة طويلة تم تصديرها إلى السعودية، فالرطب أكثر تحملاً منها.
ما هو أثر حفر الآبار على المزارع؟
- العيون والآبار خزّانات أرضية، وطبقات الأرض الصخرية محطات تحلية، فسبحان الكريم الذي خزائنه لا تنفد، وعلينا إعادة النظر للحفاظ على مياهنا السطحية الإقليمية بمعالجة الآبار العميقة غير المكيسة، ولو تمت المعالجة رغم صعوبتها لعادت المياه السطحية لماضي عهدها، ومهما بذل من مال وجهد في هذا المجال، فإننا سنربح الأمن المائي الحقيقي.
هل لديك رسالة للمزارعين؟
- ندائي للمزارع: طور منتجك وتعبئتك وتسويقك وسترى الفرق، وأي صنف غير مجدٍ تخلص منه وبسرعة، وأي مزرعة غير مجدية لنقص الماء أو لعدم صلاحية التربة أوقف الهدر واستفد منها في نشاط آخر كتربية المواشي، ومتى ما وجدت نفسك عاجزا عن إدارة مزرعتك أجرها لمًنْ يستطيع أو اجلب لها مَنْ يديرها.