ونشرت مؤسسة البحث والتطوير الأمريكية «راند» على موقعها مؤخرا تقريرا مطولا في 168 صفحة يتناول بالتفصيل ما تكشفه المعايير النوعية ودراسات الحالة عن كيفية محاولة الصين ممارسة نفوذها في أنحاء العالم، وكيف يتعين أن يكون رد الولايات المتحدة على أنشطة الصين الساعية لتحقيق ذلك النفوذ.
وشارك في إعداد هذا التقرير فريق يضم ثمانية من أبرز العلماء السياسيين والمحللين الأمريكيين، ومن بينهم الدكتور مايكل جيه. مازار، وهو أحد كبار العلماء السياسيين بمؤسسة راند، وعمل من قبل أستاذا في كلية الحرب الوطنية الأمريكية، والدكتور بريان فريدريك، وهو أيضا من كبار العلماء السياسيين بمؤسسة راند، وتشمل اهتماماته البحثية التعاون الإستراتيجي، والردع والتصعيد بين الدول، والتنبؤ بالصراعات، والتدخلات العسكرية، والنزاعات بشأن الأراضي، والأعراف الدولية، وقضايا الأمن الإقليمي في أوروبا، وشرق آسيا، والشرق الأوسط.
ويقول واضعو التقرير: إنه خلال العقدين الماضيين، تنامى دور الصين في المشهد الجغرافي السياسي، لا سيما نتيجة قوة الصين السياسية والاقتصادية المتزايدة، ومن ثم فإن القادة الأمريكيين يعتبرون الصين الآن منافسا إستراتيجيا يسعى لإنهاء النظام الليبرالي الدولي السائد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتتمثل إحدى إستراتيجيات الصين في تلك المنافسة في سعيها للتمتع بالنفوذ في دول العالم.
ويتضمن التقرير تقييما لقدرة الصين على استغلال مختلف آليات النفوذ لصياغة سياسات وتصرفات 22 دولة، وكذلك الدروس التي توفرها تلك النماذج لخدمة تنافس الولايات المتحدة الإستراتيجي مع الصين.
نتائج الدراسة
ومن أهم نتائج الدراسة التي قام بها واضعو التقرير هو أن القوة الاقتصادية المزدهرة للصين هي أساس نفوذها، وبالإضافة إلى ذلك، تعتبر قدرة بكين على استغلال الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية لصالحها عاملا مهما في جهودها لتحقيق النفوذ.
وإذا كان مغناطيس الصين الاقتصادي الهائل هو مركز الجاذبية لنفوذها، فإن قدرتها على الوصول إلى دول أخرى واستغلالها للتصورات والأحداث بفعالية هي الآلية الأساسية. ومع ذلك، فإن النجاح في المنافسة للتمتع بالنفوذ يتعلق برد الولايات المتحدة على التحديات الحالية بقدر ما يتعلق بأي شيء تفعله أو لا تفعله الصين.
ومن بين أكثر مصادر النفوذ الصيني فعالية تواصل الصين المستهدف، والسري غالبا، والمصحوب بحوافز اقتصادية أحيانا مع شخصيات معينة من القادة والنخب والمؤثرين على الرأي العام في الدول المستهدفة.
والصراع على التنافس هو أساسا غير عسكري في طابعه، وتواجه الصين مأزقا في ممارسة النفوذ، إذ إنها كلما حاولت بقوة أكبر استغلال نفوذها للضغط لتحقيق نتائج معينة في الدول الأخرى، زاد رد الفعل الذي تؤججه، وزاد رفض تلك الدول لنفوذها.
وخلص التقرير إلى أن رد الفعل الجغرافي السياسي الأكثر عمومية تجاه القوة الصينية المتزايدة هو التحوط، وأنه رغم اتجاه التحوط السائد، ظل الاصطفاف الجغرافي السياسي العام للدول التي تم تقييمها لغرض هذه الدراسة إيجابيا للغاية بالنسبة للولايات المتحدة.
ومن أهم التوصيات التي تضمنها التقرير دعوة الولايات المتحدة إلى أن تواصل عرض وعد قوي بتقديم المساعدات للدول التي يستهدفها نفوذ الصين عندما تقف في وجه القسر الصيني. كما أن الحكومة الأمريكية في حاجة إلى أسلوب شامل لتفهم، رصد ومواجهة برامج النفوذ الصيني التي تستهدف قادة أو نخبا بوجه خاص.
كما أوصى التقرير بضرورة قيام الولايات المتحدة بدعم الأبحاث والأعمال الصحفية، ومبادرات الشفافية المستقلة التي تركز على أنشطة الصين في الدول الرئيسية، كما يتعين على الولايات المتحدة تطوير إستراتيجية نفوذ ذات شبكة أوسع نطاقا (ولا تقتصر على الصحفيين) لحشد المصادر غير الحكومية للتأثير على الرأي في الدول المستهدفة.