@azizmahb
تحدثت في مقالي السابق «التميز والتنافسية... والهياكل الحكومية» عن دور التميز المؤسسي في عصر المعرفة والتطور المتدافع في الحقول المختلفة كالمجال الصناعي والتقني والطبي وغيرها، الذي يرفع وتيرة السباق مما يجبر الحكومات والمؤسسات على ضرورة تبني نماذج إدارية تسهم في تميز الأعمال واستدامتها، وكذلك أهمية إنشاء وحدة إدارية في هياكل تلك الجهات بمسمى «إدارة التميز المؤسسي والتنافسية» لتقوم بقيادة هذا الملف وتوحيد وتوجيه الجهود للوصول إلى النتائج الفائقة فيه. ولا شك أن هذه الإدارة تحتاج إلى قوة دافعة وسلطة داعمة لها، إذ لا بد من تشكيل مجلس أعلى للتميز بقيادة المسؤول الأول وعضوية عدد من قادة المؤسسة ومن شرائح المتعاملين والداعمين ليكون سنداً عضيداً لفريق العمل في هذه المهمة المحفوفة بالتحديات، ومؤكداً لجميع الموظفين على العزم الجاد في المضي قدماً نحو تحقيق ذلك الهدف المرحلي. ولكي تنطلق المنشأة في رحلة التميز، يجب أن تحدد أولاً طريقها، الذي ستسلكه بين اتجاهات ثلاثة، الأول هو بناء نموذجها ومعاييرها الخاصة، التي تتواءم مع طبيعة نشاطها كما فعلت شركة أرامكو السعودية على سبيل المثال، حيث صممت قبل عدة سنوات منهجاً رائداً يحاكي النماذج العالمية أطلقت عليه «التميز التشغيلي» ساهم في زيادة صلابة البناء الإداري والتشغيلي في الشركة ومخرجات الأعمال، مما قادها إلى حصد العديد من الجوائز المحلية والعالمية. أما الاتجاه الآخر، فهو تبني أحد النماذج المحلية وعلى رأسها النموذج الوطني لجائزة الملك عبدالعزيز للجودة، الذي يرسم خارطة الطريق ويقدم حزمةً من الممكنات الاستشارية والتقنية والبرامج التدريبية النوعية، التي تدفع بعجلة التميز في القطاعات الثلاثة، وتعبد السبل وتذلل العقبات أمامها. وأما الثالث فهو العمل وفق أحد النماذج العالمية الشهيرة ومن بينها وأكثرها شيوعاً النموذج الأوروبي EFQM. كما لا نغفل أهمية العناية الفائقة في اختيار قائد وفريق وسفراء التميز في المنشأة، وكذلك تمتين إدارة التميز وتمكينها لتكون بيت خبرة استشاريا، ومرجعا علميا موثوقا لجميع مكونات المنشأة. وتعد عملية نشر الثقافة على كل مستويات الهيكل التنظيمي هي المحطة الأولى في خطة العمل، حيث لا بد من بناء القناعة لدى الجميع بأهمية هذا التغيير وعوائده على الفرد والمؤسسة، وذلك سعياً للوصول إلى الإيمان به ومن ثم المشاركة والعمل معاً، وذلك ما يشكل زوايا المثلث (العقل ثم القلب ثم اليد Head, Heart, Hand ). يأتي بعد ذلك التقييم الذاتي وقياس الأداء مقارنةً بالمعايير ومتطلباتها ليتم الوقوف على موقع المؤسسة وواقعها على خريطة التميز، ومواطن القوة وجوانب التحسين وأولوياتها وفق تطلعات شرائح المتعاملين المتعددة. وذلك متبوع ببناء خطة التطوير الشاملة والمبادرات النوعية الكفيلة بوثب المنشأة من الشيخوخة المؤسسية إلى الرشاقة والقدرة الابتكارية، لتنتقل بعدها من تلك الخطط الورقية إلى ميدان الإنجاز والإنتاجية بالاستفادة من أفضل الممارسات المحلية والعالمية. ولا شك أن مشاريع ومبادرات التحسين تتطلب أن تخضع لمسطرة القياس وكشاف الملاحظة الدوري للوقوف على مدى تحقيقها للنتائج والمستهدفات، وعمل الصيانة المستمرة لها حتى الوصول إلى مستوى النضج المؤسسي، الذي يُمَكن المنشأة من خوض غمار منافسات جوائز التميز الوطنية والإقليمية والدولية.
أختم بالقول إن أنظار الجميع في حلبة التنافسية أصبحت تتجه نحو ذلك الكرسي أعلى القمة، ولا سبيل للصعود إلى المجد التنموي وتبوء الموقع القيادي إلا من خلال سلم واحد، إنه التميز المؤسسي، لذا فلتسارع مؤسساتنا بالعمل الجاد عليه، لتسابق الزمن نحو الطموح الممدود واليوم الموعود... (2030).
@azizmahb
@azizmahb