قبل الإعلان الرسمي من السلطات السعودية يوم الجمعة الماضي 9 يونيو 2021م عن زيارة مباركة يؤديها بناءً على دعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لجلالة أخيه السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان الشقيقية، كانت أخبار الزيارة تتردد في جنبات المنطقة الخليجية، واستعدت أجهزة الإعلام لتنفيذ تغطياتها لهذه الزيارة الهامة جداً، وأقول إن هذه الزيارة هامة لجملة أسباب منها البعد التاريخي الذي يسم العلاقة بين الشعبين في المملكة والسلطنة منذ القدم، حتى من قبل بروز ملامح دول المنطقة أو بعضها كوحدات سياسية كاملة. كان هناك التدفق البشري عبر طرق التجارة، وعبر إعمار الحواضر ومدن التجارة انطلاقاً من مسقط وصحار، وغيرها من المراكز الحضرية التاريخية في السلطنة إلى الحواضر في الجانب السعودي التي كانت تشكل حينها مناطق جذب تجاري، وإنساني، بشري علاوة على كونها لعبت الدور الأبرز كقنوات لنقل التجارب، والأفكار بين الحضارات في الجزيرة العربية وفي آسيا وأفريقيا.
البعد الآخر الذي أعتقد أنه مهم في تجربة البلدين السياسية والاجتماعية هو تميز السياسيات في البلدين وصناعتها، والتعاطي معها بالرصانة، والمصداقية، وصلابة المواقف. يؤكد ذلك التطور السياسي الذي شهدته الدولتان، وحركة التنمية المزدهرة في مجالات التعليم والتحديث وقيام دولة الرفاه. ولعل من أهم المنعطفات التي ميزت العلاقات السعودية العمانية الدرجة العالية من التفاهم بين القيادات السياسية في البلدين، حيث تؤكد المصادر التاريخية أن أول زيارة لجلالة المغفور له السلطان قابوس بن سعيد في أعقاب توليه شؤون الحكم في السلطنة في مطلع سبعينيات القرن الماضي كانت للرياض، حيث التقى جلالة المغفور له بإذن الله الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود في حينها، وكان أبرز أهداف تلك اللقاءات المبكرة السعي بين الجانبي لتوحيد المواقف والسياسات في المنطقة الخليجية في مواجهة قضايا كبرى، كأمن المنطقة والتحديات الإقليمية والقضية الفلسطينية. ومن نافلة القول التطرق للحديث حينها عن أن المغفور له السلطان قابوس كان شاباً أنجز علومه العسكرية في الخارج، وتكون بطريقة صارمة، ووضع كل تصوراته لبناء سلطنة عمان الحديثة. الخصائص التي تميز السياستين السعودية والعمانية أصبحت أكثر تميزاً ووضوحاً بعد قيام المنظمة الإقليمية السياسية مجلس التعاون لدول الخليج العربية. حيث كانت عمان والمملكة كفتين مرجحتين، وصانعتين للقرارات بطبيعة الحال بمعاونة ومشورة الأشقاء الآخرين في المجلس.
الزيارة اليوم التي يؤديها السلطان طارق بن هيثم للقاء أخيه خادم الحرمين الشريفين زيارة تحتل أبعادا مهمة في العملين السياسيين الخليجي والعربي، ولعل من أهم تلك الأبعاد النظرة المشتركة للقيادتين الحكيمتين على ضرورة المساعدة بكل ما تستطيع الدولتان لإنقاذ الجسد السياسي العربي من التحديات المحيطة به، فالكل يعرف أن هناك صراعا خفيا ومعلنا في آن واحد في الإقليم، ومعروفة الأطراف التي تغذي تلك التحديات، وللأسف فهي موجهة للكل في المنطقة، مما يوجب العمل على حلها، وتلافي الآثار الضارة لتلك التصرفات، ثم هناك عنصر مهم في المنطقة تعاني منه مجموعة من الدول العربية ويجب بذل جهود غير عادية لإخراج أكثر من قطر عربي من حالة الدولة الفاشلة، أو المنهارة. ويمكن الإشارة في سياق التحديات إلى جملة التغيرات في آليات حركة العلاقات الدولية وتغير تفضيلات اللاعبين الأساسيين. وهذا أمر من المرجح أن يكون على طاولة القائدين العربيين الخليجيين سلمان بن عبدالعزيز وأخيه طارق بن هيثم في نيوم.
ولعله من المفيد الإشارة إلى أن هناك وفودا تجارية واستثمارية عمانية زارت المملكة في الفترة الأخيرة وكان لها اجتماعات مع النظراء في الجانب السعودي، يضاف إلى ذلك ما رشح من معلومات عن توقيع البلدين على اتفاقيات شاملة في عدة نواح مهمة بين البلدين، ومن المعتقد أن يعلن عن جهة تنسيقية عليا تنظم العمل السياسي، والأمني، والاقتصادي وغيره من أوجه التعاون بين المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان. الخيرية في منطقتنا، وقياداتنا، عادة ألفتها شعوب المنطقة، وهذه الزيارة موسم من مواسم انتظار الأخبار السارة للشعبين، وللمنطقة والعالم.
@salemalyami