- كيف رأيت جلسة مجلس الأمن بشأن أزمة سد النهضة؟
نحن أمام قضية كبيرة تهم مصر والسودان على وجه الخصوص، وما حدث من اختلال كبير في هذه القضية كان بسبب المراوغات الإثيوبية في أثناء سير المفاوضات، حتى وصلت القضية إلى أفق مسدودة وكان يجب توصيل هذه النقطة المهمة إلى كافة الأطراف الدولية، وجاء تحرك القاهرة والخرطوم على المسار الدولي والتصعيد لمجلس الأمن لتأمين مصالحهما وطرح رؤيتهما بشكل يستند على حقوق تاريخية.
وكلمة كل من وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي وضعت المجتمع الدولي أمام مسؤولياته وكشفت الأكاذيب الإثيوبية وعكست المعاناة على مدار 10 أعوام مع أديس أبابا وتراجعها عن إبرام أي اتفاق، والقاهرة والخرطوم لا تطلبان إلا اتفاقا قانونيا ملزما في ملف سد النهضة.
- وما المطلوب من مجلس الأمن خلال الأيام القادمة؟
على مجلس الأمن أن يوافق على جلسة طارئة لحل الأزمة، وقد سرد مندوب الكونغو في جلسة الخميس الماضي جميع الخطوات التي مرت بها الأزمة، وطلب الاتحاد الأفريقي دعما أمميا في رعايته لهذا الملف، كما ذكر مندوب الكونغو خطورة سد النهضة الإثيوبي على مصر والسودان اللذين يعتمدان اقتصاديا على نهر النيل.
وبرأيي أن ما يحدث في مجلس الأمن هو إعادة إثيوبيا إلى المسار الدولي وحصارها عن تكتيك المراوغة التي ظلت تصر عليه، ولن تكون جلسة الخميس هي الأخيرة بل ستتواصل جولات أخرى حتى جلسة التصويت نهاية الأسبوع الجاري.
- هل كانت جلسة مثمرة؟ وما تقيمك لكلمة المندوب الإثيوبي؟
كانت جلسة مهمة وغنية للغاية، حيث وضعت أمام الرأى العام الدولي كل تفاصيل هذه القضية المعقدة وبدت أمام كثير من الأطراف التي كانت تحاول أن تتجاهل أهمية هذه القضية بأنها قضية وجودية لمصر والسودان.
في السابق كنا نجد إصرارا إثيوبيا على إفشال مفاوضات سد النهضة عن طريق المراوغات، وجاءت تصريحات إثيوبيا في مجلس الأمن لتكشف كيفية إدارة الدولة الإثيوبية لجولات المفاوضات، حيث إنه لأول مرة نتابع على الهواء كيف كانت إثيوبيا تسعى لإفشال المفاوضات.
أما بخصوص خطاب الوزير الإثيوبى في جلسة مجلس الأمن فإنه يحمل مضمونا تهديديا ومنهجا لإفشال المفاوضات، حيث تدخل أديس أبابا المفاوضات بنية البحث عن مفاتيح لإفشالها وضربها من أساسها، وجلسة مجلس الأمن كشفت الجهود التي بذلتها مصر والسودان من أجل حل أزمة سد النهضة.
وارتكبت إثيوبيا ما يشبه الخطأ الجسيم في تسميم وتشويه أجواء جلسة مجلس الأمن بإعلان الملء الثاني الذي يعد بمثابة صب قدر من الزيت على نيران مشتعلة لدى الطرف الآخر.
هناك تعنت كبير من الجانب الإثيوبي في أزمة سد النهضة، ومصر والسودان بذلتا مجهودا كبيرا بتفتيت هذا التعنت من خلال الاتفاقات والمفاوضات.
وبعد الخروج من مجلس الأمن واجتماع الخميس الماضي بتقديرات بأن هناك إضرارا سيكون هناك الكثير من المعطيات والسيناريوهات أمام القيادة السياسية في مصر والسودان.
- كيف رأيت مسار المفاوضات؟
لا شك في أن إثيوبيا لديها درجة من الإصرار والتصلب الشديد بدأته منذ جولات التفاوض تحت مظلات عديدة، الأولى كانت مظلة ثلاثية منفردة مصرية سودانية إثيوبية، ثم كانت تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، ثم التوجه المصري السوداني إلى مجلس الأمن العام الماضي لكشف التعقيد والتصلب والمراوغة الإثيوبي الذي يقوم على اعتماد تكتيك الدخول للمفاوضات وتعمد إفشالها وتضييع الوقت واستهلاكه لسد كافة الطرق أمام التوصل لحل سياسي بعيدًا عن الحلول الفنية، ومصر والسودان يتعاملان برشد كبير للغاية لأننا أمام أكبر منشأة موجودة على روافد نهر النيل وتولي الملف حجمه ووقته الحقيقيين وانخراط الوزارات والمؤسسات المختلفة في كلتا الدولتين، وأن الفريق التفاوضي المصري فريق كبير جزء منه فني على أعلى مستوى والجهد الدبلوماسي يعمل بحرفية ونفس طويل.
- وماذا بشأن الموقف المصري؟
مصر تدافع عن حقوقها في مياه نهر النيل بالأساليب والوسائل القانونية، وتصر على إيصال هذا المفهوم لكل الأطراف المعنية.
وأكدت مصر في كل لقاءاتها الدبلوماسية بأنها تخوض معركة ضد أي طرف يمس المصالح المصرية، وهناك رغبة مصرية لاحترام القوانين الدولية فيما يتعلق بمفاوضات «سد النهضة».
واستطاعت مصر تحقيق متغيرات إيجابية كبيرة في ملف سد النهضة، وخلال 6 أشهر من العمل والخطط الدبلوماسية والسياسية التي تشرف عليها القيادة السياسية شهدنا تحركات مصرية في أفريقيا والجامعة العربية وانتقلت إلى المجتمع الدولي في مجلس الأمن.
وفرضت مصر بيئة سياسية تفاوضية في ملف سد النهضة بعد التوجه إلى مجلس الأمن، ونحن قريبون من تحقيق وضع يرضي المصالح المصرية والمواطن المصري، كما حشدت القاهرة موقفا دوليا وعربيا في ملف مفاوضات سد النهضة.
المؤسسات المصرية تتحرك وسط خطة استراتيجية لإدارة هذه الأزمة الممتدة المعقدة التي تتضمن جانبا سياسيا وفنيا وقانونيا وأمنيا وكثيرا من الجوانب التي تحتاج إلى العمل على مسارات متوازية، وقضية السد كانت قضية ثانوية بالنسبة للمجتمع الدولي خلال العام الماضي وهو الأمر الذي تغير جذريًا خلال الفترة الأخيرة نتيجة الجهود الدبلوماسية المصرية السودانية، وشهدت الأيام الماضية ماراثون من المباحثات مع الأطراف المعنية لتغيير مواقفهم ووجهات نظرهم لمناصرة الحق وإحاطتهم بإشكاليات القضية.
- وكيف رأيت تحركات الجانب الإثيوبي؟
الجانب الإثيوبي يحاول تفريغ كل هذه الجهود من مضمونها، وكانت المحطة الأخيرة قيام مجلس الأمن بإعادة الكرة للاتحاد الأفريقي رغم التحفظات على الاتحاد الأفريقي وأدائه في جولات التفاوض، وكانت مصر منفتحة وأنتجت أفكارا جديدة بحضور ممثلين من المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
وأظهرت كل من مصر والسودان المرونة والجدية والأفكار الجديدة، ولكن للأسف فشلت الجولات الأخيرة، وفي المحطة الحالية التي بدأت بعرض وجهات النظر المصرية وتعقيدات القضية وجولات التفاوض والإشكاليات الموجودة ومهددات الأمن والسلم الحقيقية بأدلتها، تقوم إثيوبيا كالعادة وتسمم بقرارها الصادر البيئة الدبلوماسية التفاوضية حتى تنشئ وضعا جديدا، رغم تأكيد الخبراء المتابعين لهذا الملف بشكل لصيق على أن هذا إعلان مزيف ومسألة البدء في الملء الثاني نوع من أنواع التشويش المتعمد، وهذا الموقف يؤكد ضعف الموقف الإثيوبي وعدم وجود مساحة للتحرك أمامه خاصة في ضوء الجهود الدبلوماسية التي قامت بها وزارتا الخارجية المصرية والسودانية، واستطاعتا خلال الـ 6 أشهر الماضية تحقيق نقلة متقدمة في التعاطي الدولي مع مجمل هذه القضية.
- ولماذا أعلنت أديس أبابا عن بدء الملء في هذا التوقيت؟
الخطاب الرسمي الذي أرسلته إثيوبيا بشأن بدء عملية الملء للعام الثاني لخزان سد النهضة، محاولة لإثارة استفزاز الجانبين المصري والسوداني والتشويش على جلسة مجلس الأمن، والتصرف الاستباقي لإثيوبيا لا معنى له.
ما تقوم به إثيوبيا مخالفة قانونية كبيرة وفادحة لقوانين الأنهار الدولية، وتحاول الالتفاف على الحقيقة من خلال اتخاذ التصرفات الأحادية وفرض الأمر الواقع.
وما تفعله إثيوبيا يهدد دون أي مبالغة حالة السلم والأمن ومقدرات الشعبين المصري والسوداني، ويجب على المجتمع الدولي الحفاظ على تلك المصالح وحفظ معادلة السلم في المنطقة، إضافة إلى إقامة أفق جديدة حتى التوصل إلى اتفاقيات ملزمة لها مرجعية قانونية يمكن الاستناد إليها في أي ساحات المجتمع الدولي.
إثيوبيا حاولت التشويش على جلسة مجلس الأمن؛ لأنها تدرك ضعف موقفها مقابل ملفي مصر والسودان المليئين بالحقوق المستندة إلى التاريخ والقواعد القانونية.
- هل سد النهضة مشروع كهربائي ومائي فقط؟
الاستراتيجية المصرية السودانية اختلفت في التعامل على المستوى الدولي بعد الأضرار التي لحقت بالسودان عقب الملء الأول الجزئي والإضرار بقرابة مليون سوداني، وهناك أطراف دولية متعددة أبدت تفهمها لموقف مصر ورغبتها في التوصل لاتفاقية قانونية ملزمة لكافة الأطراف بشأن ملء وتشغيل السد وتبادل البيانات بشفافية وهو ما تتهرب منه إثيوبيا.
الأمر ليس مشروعا مائيا أو كهربائيا وإنما هو مؤامرة لإيذاء مصر والسودان اللتين وضعتا المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في قضيتهما العادلة.
والهدف من المناورات الإثيوبية والمراوغات التي قامت بها أمام الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وشركائها من الدول التي تقوم شركاتها بالبناء في السد، هو اختزال الموقف والحديث عن جزئيات وتجاهل الجسم الأصلي للقضية.
- هل تغيرت المواقف الدولية؟
الجهود الدبلوماسية المصرية السودانية التي وضعت وفق استراتيجية لتنسيق التحركات نجحتا في تغيير المشهد بشكل كبير وهو ما انعكس على موقف الاتحاد الأفريقي الذي تراجع قليلاً عن ذي قبل بالإضافة إلى موقف المجتمع الدولي، وهناك قدر من التفاؤل حول انقلاب كل فصول التعنت الإثيوبي من عام 2014 على أديس أبابا.
والولايات المتحدة بدأت في التقاط الإشارات المصرية وأبدت تفهمًا للموقف المصري وفحص مبرراته وأسانيده ورفض التحركات الأحادية، ويمكن قياس ذلك بالمقارنة بجولة المفاوضات في واشنطن في فبراير 2020، عندما أفشلها الجانب الإثيوبي لم يخرج أي تصريح ضد أديس أبابا، وكان التصريح الأمريكي حينها سلبيًا عندما أبدى تفهمه لرفض إثيوبيا استكمال المفاوضات بسبب الانتخابات، ولم تعلن واشنطن من أفشل المفاوضات بشكل واضح رغم أن المباحثات عقدت في العاصمة واشنطن وبجهود أمريكية وبحضور وزارة الخزانة والبنك الدولي الذي كان منخرطًا في المفاوضات، وتم حل قرابة 90 % من المشكلات أو تم وضع الأطر لها، ووجدت مصر حينها أنها أمام نموذج مثالي لدولة مراوغة وصمت دولي في حينه أضر بمصر، وتقوم مصر حاليًا باستثمار كافة مستويات علاقتها لخدمة موقفها في قضية السد وتضييق المساحات أمام الجانب الإثيوبي وحلفائه وهو ما انعكس على استحواذ قضية السد أهتمام المجتمع الدولي.
- كيف رأيت المواقف العربية؟
نثمن مواقف الدول العربية بشأن سد النهضة، ونشيد بدعم المملكة لحق مصر والسودان في مياه النيل، وشكل الدور السعودي مع عدد من الدول الشقيقة وجامعة الدول العربية ضغطا كبيرا على المجتمع الدولي للتأكيد على الخروقات الإثيوبية وما قد يؤديه السد من ضرر بالغ للشعبين المصري والسوداني.
وتمكنت الدول العربية الكبرى ذات العلاقات الوطيدة مع الأطراف الدولية، في تكوين بيئة تفاوضية أفضل حتى خلال الأسابيع الماضية.
- هل يمكن معاقبة النظام الإثيوبي؟
النظام الإثيوبي يكاد يكون على شفا المحاكمة والملاحقة الدولية بسبب الانتهاكات في إقليم تيغراي، وعلى الرغم من الحصار الإعلامي والمعلوماتي لما يحدث في الإقليم ومنع دخول المنظمات والوسائل الإعلامية لتصوير ما يحدث من مذابح وانتهاكات منذ نوفمبر الماضي، بدأت جبهة تحرير تيغراي الحاكمة لإقليم وفق القوانين الفيدرالية التي تحكم دولة إثيوبيا، في عرض صور بعد أن حاول النظام الإثيوبي أن يخرج أمام العالم ليعلن وقف إطلاق النار، وأنه مستعد للتفاوض والخروج من إقليم تيغراي طواعية، وهذا يعد تزييفا للحقائق التي يمارسها النظام الإثيوبي على المجتمع الدولي.
هناك أزمة عميقة ربما تتجاوز الحديث عن سد النهضة، النظام الإثيوبي يحاول ممارسة التصعيد في ملف سد النهضة كأحد أشكال الهروب للأمام ولديه مأزق داخلي أعمق كثيرًا مما كان يتصور، والبروباغندا الإعلامية الإثيوبية ومحاولة تصدير قضية سد النهضة باعتبارها الحديث الإثيوبي الوحيد، هي إخفاء للحقائق التي تحدث في الداخل وصراع طاحن بين القوميات.