زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد للمملكة هي أول زيارة يقوم بها خارج السلطنة منذ توليه حكم البلاد، ولذلك دلالات على عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين، وما يوليه جلالته لهذه العلاقات، وكذلك الترحيب الكبير الذي استقبلت فيه المملكة هذه الزيارة، وما رافقها من مباحثات بين جلالة السلطان، وخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي العهد، والوفد المرافق مع إخوانهم المسؤولين السعوديين في كل المجالات سعياً لتطوير العلاقات إلى آفاق أرحب وصولاً إلى الإعلان عن إنشاء مجلس التنسيق السعودي العُماني، الذي سيواصل هذه العملية -بإذن الله-، ولم يكن ذلك كله مستغرباً عند الذين يعرفون مدى الروابط، التي تجمع بين البلدين من الدين والعروبة والتاريخ المشترك، وحسن الجوار الممتد بين البلدين الجارتين منذ مئات السنين، إضافة إلى أواصر المودة والروابط الاجتماعية والإنسانية، التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، فإذا أضفنا إلى ذلك المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية، وحكمة ورؤية القيادتين وفهمها لمستقبل المنطقة، الذي يحتم التنسيق والتكامل للمحافظة على أمن دول الخليج، وحفظ الأمن والسلام الدوليين، وإدراكهما أن التنسيق السعودي العُماني، الذي تحتمه أهمية الدولتين وعلاقاتهما الدولية ستكون له -بعون الله- نتائج إيجابية ليس على شعبي البلدين الشقيقين فقط، بل على المنطقة ومستقبل شعوبها، بل إن هذا التنسيق هو أكثر ضرورة من أي وقت مضى في الأحوال، التي تحيط بالمنطقة والعالم، مما يستدعي حشد الجهود لحفظ الأمن والسلام، وإبعاد أسباب التوتر، وحل القضايا التي تشغل شعوبها، وفي مقدمتها تدخل قوى دولية وإقليمية في شؤونها والعبث بأمنها، وكما أن للمملكة دورها الكبير في السياسة الدولية، وقضايا المنطقة وشؤونها، فإن للسلطنة أيضاً دوراً معلوماً ببذل الجهود والسعي لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات، كما هو الحال في مشكلة اليمن الشقيق. وعلى صعيد المصالح الاقتصادية، فإن معدل التبادل التجاري بين الجانبين بلغ 7.5 % من إجمالي حجم التبادل التجاري غير النفطي بين المملكة ودول مجلس التعاون لعام 2020، وهي نسبة تستطيع البلدان زيادتها من خلال مجلس التنسيق السعودي العُماني، خاصة مع جهود البلدين في تنمية الصناعات المحلية، وسعيهما لارتياد أسواق جديدة على ضوء الفرص الاستثمارية الواعدة للنمو الاقتصادي، حيث تم خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية لهذا الغرض، وسيسهم فتح الطريق البري بين البلدين بما يمثله من دعم لوجيستي للتبادل التجاري بين البلدين، ودوره في ترشيد نفقات النقل، التي تشكل عنصراً رئيساً من أسعار السلع. أما بالنسبة لسلطنة عُمان فقد جاءت المملكة خلال نفس العام في المركز الثاني بين الدول المستوردة للصادرات العُمانية غير النفطية، والخامسة بين الدول التي تستورد منها السلطنة، كما أنها تعد شريكاً إستراتيجياً في عدد المشاريع الاقتصادية المهمة، ومنها مشروع تطوير مدينة خزائن الاقتصادية، وكذلك مشروع محطة الكهرباء المستقلة (صلالة 2) في محافظة ظفار. وكما تحدثنا عن الجوانب السياسية والاقتصادية في العلاقات بين البلدين، فإن الاتفاقيات التي تم توقيعها أثناء الزيارة سوف تسهم أيضاً في تطوير العلاقات الثقافية والإعلامية بقنواتها المقروءة والمرئية والمسموعة، وغير ذلك مما سيعني بها مجلس التنسيق ويتحقق فيها المزيد من الخير -بإذن الله-، لصالح الشعبين الشقيقين وشعوب المنطقة كافة، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، التي تسعى رؤية المملكة 2030 ورؤية عُمان 2040 إلى بناء مستقبل أفضل لكل شعوبها، ويظهر أثرها واضحاً في تعزيز منظومة المجلس وتحقيق مصالحها ومصالح دول المنطقة جميعها -بإذن الله-.
Fahad_otaish@