ولأنّ المقال لا يتحدث عن سيرة حياتي، التي أعلم أنها لا تهم أحدكم، ولا يدفعكم الفضول لمعرفتها، قبل أن ندخل في موضوع المقال، أقول لكم إحدى المفارقات المحزنة، وهي أن بيوتنا تمتلئ بالمصاحف دون قراء -بضم القاء- في حين أن في بداية الإسلام، كان الجميع يتلذذ بقراءة القرآن والعمل به، ولكن كان من الصعب الحصول على مصحف.
إلى أن وقعت معركة اليمامة، واستشهد 70 من حفظة القرآن، خاف الفاروق على ضياع القرآن، وأشار على الصديق بجمعه، فقام الصديق بتكليف زيد بن ثابت بأعظم وأصعب الأعمال في التاريخ، ألا وهي جمع القرآن.
ولنتعلم من زيد بن ثابت، كيف جمع القرآن؟ وضع المعايير ألا تكتب آية إلا إذا وجدت مكتوبة على أي وسيلة من وسائل الكتابة في عصر نزول القرآن، وأن يكون هناك اثنان من الصحابة الحافظين لها، وإذ بمَنْ عنده مفاتيح الغيب، ويعلم ما في البر والبحر، بل إن ورقة الشجر التي تسقط يعلم بها، لا يترك شيئا إلا وضع مقاديره.
لقد وجدت أية مكتوبة ولكنها عند حافظ واحد، إذا ما العمل؟ من الواجب ألا تكتب هذه الآية لاختلافها مع المعايير، لكن الحبيب المصطفى لا يترك أصحابه حتى بعد وفاته دون أن يطمئنوا، وأن يخرج هذا العمل الشاق في أبهى صوره، دون ريب في الصدور.
يا الله، لقد وجدت هذه الآية مع خزيمة بن ثابت وهو مَنْ شهد له النبي قائلا: مَنْ شهد له خزيمة فحسبه، وكان لذلك الأمر قصة وكأنها حدثت من أجل استكمال هذا العمل.
ماذا فعل خزيمة ليكرمه الحبيب هذا التكريم؟ يحكي زيد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم -ابتاع فرسا من أعرابي، وذهب مع الأعرابي ليعطيه ثمن الفرس، وإذ بالرسول يسرع في مشيه، ويبطئ الأعرابي، فيسأله رجال عن الفرس، ويبدو أنه عرضوا مبلغا قد أغرى الأعرابي، فأراد أن يرجع في كلامه مع الرسول، فينادي الأعرابي على النبي قائلا: هل تريد شراء الفرس أم أبيعه؟، فيقول النبي: أو ليس ابتعته منك؟، فيقول الأعرابي: ما بعته لك، فيقول النبي: بل قد ابتعته منك، فيقول الأعرابي: ائتني بشاهد، فيقول المكرم خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك بعته له، وينصرف الناس ويقبل النبي على خزيمة، ويسأله: بم تشهد؟ (متعجبا) فلم يكن خزيمة حاضرا وقت المبايعة بين النبي والأعرابي، فيقول خزيمة قولا بليغا: بتصديقك يا رسول الله، هل نصدقك في كل ما تأتينا به من خبر السماء ونكذبك فى هذه؟
إذن هل اقتنعت أن كل ما يحدث في هذه الدنيا يكون لحكمة من الله؟
@salehsheha1