تبهر الصين العالم بقدراتها الاقتصادية والتكنولوجية والإنتاجية. عرف الغرب الصين بالنائم العظيم Sleeping Giant لثقلها في خريطة العالم الاقتصادية والسياسية والعسكرية والسكانية. الصين قارة حضارة عريقة من أعرق الحضارات على وجه الأرض، حيث تعاقبت عليها عدة حقب تاريخية قيادية صينية جعلتها محور اهتمام المختصين في الحضارات الإنسانية. واليوم تلعب الصين دوراً جوهرياً في الساحات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، ما جعلها تكسب اهتمام الكثير من الباحثين وأصحاب الأعمال الذين يرغبون الاستثمار في الصين سواء الاستثمار المباشر أو غير المباشر. وهناك شركات عابرة للقارات MNCs جعلت من الصين قبلة لاستثماراتها لما يتميز به الاقتصاد الصيني من حوافز وعائدات استثمارية مشجعة، ناهيك عن مهارات الصينيين الصناعية والمهنية. عراقة الصين وتوسطها القارة الآسيوية والكثافة السكانية العالية خلقت مجتمعاً يتنافس أفراده على التميز والنجاح لأنهم يواجهون منافسة عالمية من الدول الصناعية المتقدمة مثل ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها، ناهيك عن المنافسة للعدو القديم اليابان.
وللصين صفحة عريقة في العلم والتجارة مع العرب والمسلمين منذ عصور قديمة، حيث كانت واحدة من بلدان الشرق التي قصدها العرب للتجارة والعلم. ولقد لفتت الصين أنظار العالم بطموحاتها الصناعية المنافسة والتي اجتاحت أسواق أوروبا والولايات المتحدة وكندا، ناهيك عن هيمنتها على أسواق الدول النامية والفقيرة في آسيا وأمريكا اللاتينية. يطمح الصينيون لقيادة العالم اقتصادياً من خلال توغل تدريجي مدروس لأسواق العالم، ويحاولون عقد تحالفات اقتصادية مع العديد من دول العالم وعلى رأسها الدول البترولية التي تملك مصدر القوة الاقتصادية الكامنة في البترول. الموارد البترولية هي الهم الصيني الذي تسعى للحصول عليه من دول صديقة وأخرى منافسة، فالزيارة الأخيرة للرئيس الصيني إلى الولايات المتحدة كانت لجس نبض الأمريكيين في ما يتعلق بشراء شركات بترولية أمريكية عملاقة لتأمين الطاقة البترولية للصين، لكن الولايات المتحدة تعرف مدى خطورة الأمر على أمنها القومي الاقتصادي وغيره ما جعل التفاوض في هذا المجال مشوباً بالخوف والريبة من قبل الأمريكيين الذين يحرصون على أن تكون الصين في المقعد الخلفي.
الصين بلد واسع المساحة يستطيع النفاذ إلى أسواق العالم بسرعة كبيرة لما يتمتع به من موقع جغرافي إستراتيجي. ولقدم الصناعة والتجارة في الصين فإن الصينيين كسبوا العديد من المهارات الشخصية المهمة لجعلهم ناجحين في تفاوضهم مع الأطراف التجارية بالرغم من مراوغتهم التي لا تبعث الراحة لشركائهم التجاريين. التعامل مع التجار الصينيين صعب ومليء بالتحديات لأن ثقافتهم تختلف عن الثقافات العربية والغربية في ما يتعلق بالتجارة فلا تتوقع كلمة نعم تعني نعم الصريحة في الثقافة الصينية بعكس صراحة الأمريكيين في التعامل التجاري المباشر والسريع.
يحاول الصينيون تغيير انطباع الأجانب عنهم من الناحية التفاوضية بخلق علاقات تجارية مبنية على المصالح المتبادلة ليكسب الجميع من خلال ما يعرف بسياسة كسب/كسب للطرفين التجاريين، لكن سلوكياتهم غير المألوفة لا تزال مجالاُ للتطوير لزيادة ثقة الشريك التجاري الأجنبي بهم. الثقة في التعاملات التجارية ذات أهمية في استمرارها بين الأطراف المستفيدة منها، لذا من الأهمية بمكان بناء الثقة بين الصينيين وشركائهم التجاريين حول العالم. سأكمل الحديث عن الصين وقيادة العالم في الخميس القادم إن شاء الله.
@dr_abdulwahhab