ولا شك في أن البر توفيق من رب العالمين، وامتحان لا يوفق لاجتيازه إلا المجتهدون العاملون، وهو عمل يفتح الله به للعبد مفاتيح الرزق والتوفيق والهداية، ويصلح له به الذرية ويسخّرهم له.
والبر عمل عظيم لا ينقطع بوفاة الوالد أو الوالدة، بل إنه عمل مستمر، فقد جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بِرِّ أبويّ شيء أبرُّهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصَّلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرَّحم التي لا تُوصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
وأن يوفق البار بوالده إلى أن يصل إلى ما هو أبلغ من ذلك، فهذه والله نعمة لا يوفق إليها إلا مَن بلغ به البر مبالغ، ويقصد بذلك أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد موته، كما فعل ابن عمر "رضي الله عنهما" في القصة التي سقناها في بداية حديثنا، فحين توفق لتفقد حال أصحاب أبيك، وتعاهد زيارتهم، وحين ترى البسمة على وجوههم، تتذكر أبًا كانت تضحكه مجالسهم، وعندما تتبادل الحديث معهم، تبتهج بسماع دعائهم وطلبهم للرحمة لوالدك، وحين تصلهم تُفرح أبًا في قبره.
فما أجمل البر، وما أعظم الوفاء في حق مَن بذل وتعب وربّى وأحسن، وواصل الليل بالنهار، وتحمَّل في ذلك القهر والتعب من أجل توفير الحياة الهنية لأبنائه، فلنجتهد في ذلك وسنجد أثره في حياتنا.
قال كريم العراقي:
آهِ كم أشتاق أيام أبي
ذلك الرجل الرهيب العصبي العصبي
إنه أورثني الحزن ولكن مدَّني بالعزم
والعزة والصبر الأبي
فحملت العبء طفلًا ودموعي لُعبي
وبكى حين رآني ناجحًا
ورِضا عينيه أطفى تعبي
إنما كان أبي قاسيًا فعلًا
ويخفي نهر حبٍ عذبِ
قلبه قلب صبي
صبره صبر نبي
رحم الله أبي
azmani21@