والإنسان اجتماعي بطبعه، وله عدة علاقات ومعارف، ولكن الأصدقاء المقربين هم القلة، ويكادون يعدون على أصابع اليد واحدة. ولا تعتقد أن كثرة الزملاء والأصحاب هم من الأصدقاء، فهؤلاء تتعامل معهم في مختلف مجالات الحياة للضرورة أو المصالح. ولكن عند أيام الشدة والضيق فستتكئ على الصديق المقرب لأنه عملة نادرة. ويذكر أن الإمام الشافعي -رحمه الله- قال ليونس الصدفي: «إذا كان لك صديق - يعينك على الطاعة - فشد يديك به فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل». وصدق الشافعي فيما قال، ولكني أعتقد أن الصديق لا يفارقك فجأة، ولكن هي تراكمات من أخطاء كثيرة قد تجمعت عبر أيام وسنين، وربما ستكون الغلطة الأخيرة هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
وحديثنا عن الصداقة لأنه سيحل علينا في الأسبوع القادم يوم يسمى «اليوم الدولي للصداقة»، وهو يوافق (30) يوليو. وأعلنت عنه الجمعية العامة في عام 2011 م.
وفي هذا المقام، فأني أتذكر قمة الأخوة والصداقة التي كانت تجمع بين الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حيث هي الصحبة المثالية، وهي مقياس عال ينظر إليها بإجلال وإكبار. ويظهر ذلك جليا في قوله عليه الصلاة والسلام مدافعا عنه: «فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ مرتين، فما أوذي بعدها». وتلكم هي أعلى أنواع المحبة والأخوة. ويذكر أيضا أنهما كانا صديقين مقربين حتى قبل النبوة، كيف لا؟ وهما يتمتعان بصفات مشتركة منها الصدق والأمانة وحب الخير للآخرين.
والصداقة قد تأخذ من أعمارنا سنوات حتى تبنى لأنها تحتاج إلى مواقف وأزمات وهزات حتى تنضج وتقوى وتدوم. وعلى العكس من ذلك الصداقات العامة والهشة، والتي تبنى على مصالح مشتركة مؤقتة، وماديات ومجاملات سطحية. وهذه مصيرها إما إلى الزوال أو التفكك والاضمحلال مع ظروف الحياة ومتغيراتها. لأنها لم تبن على أسس متينة وصلبة.
والصداقة الحقة، هي التي تبنى على تقارب في الطباع والأهواء، وكذلك تقارب في الأفكار، وقد تجمعهما نفس الهوايات. ومن المؤكد أنها لا تبنى على الأخذ والعطاء المادي، بل تتقوى بالمواقف الجادة والروابط المعنوية والنفسية. وربما في هذا الجانب نستشهد بالحديث النبوي الشريف: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف». وكما قيل: إن الطيور على أشكالها تقع، فكم رأينا تشابها في الأمزجة والطباع بين الأصدقاء المقربين، ولمسنا منهم ترفعا عن الخلاف والجدال من أجل الحفاظ على الود والوئام.
وأما أسوأ أنواع الصداقات، فهي الجلابة للمشاكل والدافعة إلى الرذائل، والبناية للعدوات، والمفتعلة للمشاحنات. وأشدها سوءا تلك التي تجلب الضرر والأذى للأسر والأقرباء. وهذا النوع من الصداقات هو الذي ينطبق عليه المثل القائل: الصاحب ساحب. والخيبة كل الخيبة لمن كان له صاحب ساحب للشر مغلاق للخير.
والصداقة الحقيقة هي التي تتمنى فيها الخير لصاحبك وإن كنت مقصرا ضعفا لا اعتقادا!
abdullaghannam@