مقاومة التغيير والرغبة في استمرار الواقع الحالي ظاهرة ملموسة عند أغلب الناس، وقليلون الذين يرحبون بالتغيير أو يبادرون إليه؛ لأن التكيف مع الوضع الراهن هو ميل لا يمكن التخلص منه بسهولة عند أغلب الناس، وهو غالباً ما يجعل الإنسان يحُس بالأمان وعدم الحاجة لتحمل مسؤوليات جديدة، ورغم ذلك كله فإن التغيير يظل حاجة إنسانية ومعيشية وحضارية، لأن الإنسانية في سعيها المستمر لجعل الحياة أفضل تحتاج إلى تجديد أنماط تفكيرها، وأنماط حياتها وسلوكياتها، وإلا ظل كل شيء جامداً، وأغلقت أبواب التقدم في كل المجالات، ولولا إرادة الذين قادوا التغيير لما شهدت الإنسانية هذا التقدم الهائل الذي نعيشه، وفي مقاومتهم للتغيير، فإن كثيراً من الناس يتذرعون بأعذار لا حصر لها حتى يتجنبوا القيام بتغيرات إيجابية في حياتهم، وهؤلاء نعرفهم من كثرة استعمالهم عبارة «نعم ولكن» في معظم الأحوال. إن أول أسباب مقاومة التغيير كما قلنا هي أننا نشعر بالتعايش مع الوضع القائم حتى إن كنا نشعر أحياناً ببعض الضغوط نتيجة سلوكياتنا، التي اعتدناها في هذا الوضع، وهذه الراحة مرجعها أننا نعرف هذا الوضع جيداً، ولكننا نجهل في نفس الوقت الأوضاع، التي قد تنجم عن التغيير والقبول به باعتباره ضرورة إنسانية وحضارية، فإننا نقابل ذلك التفكير السلبي تجاه التغيير والاعتقاد بأنه لن يكون مفيداً، أو أننا لا نستطيع أن نتغير لأن الناس من حولنا لا يتغيرون، أو التسويف ومحاولة إقناع أنفسنا أننا سنبدأ التغيير في الوقت المناسب ولكن ليس الآن، أو قضاء أوقات طويلة في التفكير في صنع التغيير، ولذلك فلا بد من أن يبحث كل منا داخل نفسه عن أسباب مقاومة التغيير، وذلك يبدأ بأن نوظف المعلومات، التي تمكننا من الوصول إلى بدائل صحية للوضع الراهن، مما يجعلنا أقرب إلى إمكانية أن يكون التغيير آمناً. الملاحظ أن أكثر الناس، الذين يلزمون أنفسهم بالتغيير إنما يفعلون ذلك بعد أزمة عاطفية وفي مثل هذه الظروف فقط يصبح بمقدورهم التعلم، وتصبح لديهم الرغبة في التغيير بعد أن كانوا خائفين منه، وذلك ما أكده الدكتور لوري إيه، وليدن روبنثستاين في مؤلفهما «دليل إدارة الضغوط»، وغالباً ما يكون الحافز للتغيير عندما يشعر البعض بأنهم يبذلون الكثير، ولا يحصلون على التقدير المستحق، أو عندما يشعرون بأنهم مجبرون على التغيير مع أن الصحيح هو ألا ننتظر حدوث أزمات في حياتنا، بل أن نختار التغيير قبل حصولها.. وقبل ذلك كله فإن التغير الإيجابي لا بد أن يبدأ عن الاقتناع واليقين بأنه الحل المناسب لوضع أكثر راحة واطمئناناً، وليس من الضروري أن يؤدي إلى مزيد من الضغوط، التي لا يمكن السيطرة عليها، وهو أمر قد يتطلب ممارسة إستراتيجيات للسيطرة على هذه الضغوط، وجعل ممارسة هذه الإستراتيجيات جزءاً من حياتنا اليومية، قد يكون ذلك صعباً في البداية، لأن مهارات الوضع البديل تتطلب وقتاً لتعلمها والتعود عليها لكنها بمجرد أن تبدأ لا تتراجع وتجعلنا نملك قوة اللحظة الحالية لإحداث التغير، وهي قوة لا ينبغي التفريط بفرصة امتلاكها، وقد أثبتت التجارب أن الذين حرصوا على عدم فوات هذه الفرصة هم الذين نجحوا في حياتهم. التغيير الذي نتحدث عنه هو تغيير إيجابي في السلوكيات، والإيجابية هنا تعني أنه يقوم على أساس من الثوابت والقيم، التي يحترمها مجتمعنا ولا يتجاوزها، وإنما نبني عليها ما هو أفضل من الممارسات من أجل مستقبل يسعى إليه أولياء الأمر، ويبذلون من أجله، ويتطلع إليه أبناء الوطن ويشاركون بكل إخلاص في صناعة وحصاد ثماره -بإذن الله-.
Fahad_otaish@