سمعت أكثر من وصف للحالة الأخيرة التي تسيطر على الأوضاع في تونس. أوضاع السياسة، والاقتصاد، والاختناقات الاجتماعية، والأزمة السياسية، وثالثة الأثافي كما يقال.. الأزمة الصحية. وفي الحقيقة، ورغم متابعتي للشأن التونسي كنت أرفض من داخلي وصف الذي يحدث هناك في مجمله بالانهيار. وشعرت بغصة كبيرة على الحالة غير المحببة التي وصلت إليها تونس. تونس دوما تستحق الأفضل، ولا يمكن أن أنسى خمسة أعوام جميلة قضيتها بين التونسيين، من مختلف طبقاتهم الاجتماعية، ومستوياتهم المعيشية والعلمية. أتذكر جيدا في أيام عيد الأضحى مناسبتين يمارسهما الناس بحبور الأولى توديع الحجاج عند بداية موسم الحج وهم يغادرون التراب التونسي عبر بوابة تونس الجوية مطار قرطاج بالعاصمة تونس، والمناسبة الأخرى هي استقبال العائدين من الحج في صالة مخصصة للقدوم تستخدم للطائرات القادمة من الأراضي المقدسة تنقل الحجاج إلى أهلهم مرة أخرى. وبين هاتين المناسبتين العزيزتين كنت استمتع أيام عيد الأضحى المبارك الثلاثة بمشاهدة الرجال، والشباب، والسيدات يشعلون النار في الطرقات ويقومون بتعريض أجزاء معينة من الأضحية عادة هي الأطراف، والرأس للهب لكي يختفي الشعر عليه وتعطي نكهة خاصة عند طبخها، كما تستمر هذه المشاهد بشي الأطراف اللينة من الأضحية مثل الكبد، والأجزاء الأخرى المكونة للأحشاء. لسنوات ذهبت لأماكن التجمع التي تقام بشكل مؤقت في نقاط معينة من العاصمة يتجمع فيها أصحاب المواشي الذين يفدون بخرافهم السمينة من القرى، والأرياف، والمناطق الريفية النائية التي تربى فيها الخراف على مدار حول كامل استعدادا لعرضها كسلعة رائجة في موسم عيد الأضحى. من اللحظات التي لا تنسى التركيز في طبيعة الحوارات التي كانت تتم بسرعة، وبأشكال مختلفة بين البائع، والمشترين الذين يسألون دائما عن السعر، ثم يغادر البعض دون أن يعلق بعد أن يرفع يده من على ظهر الخروف، وعندها تتعالى صيحات البائع، الذي ينادي الزبون، ويسأله عن رأيه، وفيما يقترح من سعر. في صباح يوم العيد اعتاد الناس على تشغيل أجهزة التسجيل بأجمل التلاوات القرآنية، وبعد انتهاء الصلاة كانت أصوات الرجال الذين يمتهنون عملية ذبح الأضاحي تنتشر في أحياء المدينة معلنين عن قدرتهم على الذبح وبطريقة صحيحة، وسريعة، ويضيف بعضهم الإعلان عن سعره المناسب. في تونس التي أتذكرها تسمع في الأعياد كلمة: كل عام وأنت حي بخير. وغالبا ما يأتي الرد، بالمثل، وقد يزيد البعض، ربي يحييك لأمثاله. كل شيء له حكاية في تونس تلك الأيام اللبس، والحلويات، والزيارات، وغيرها. مؤخرا تواصلت مع عدد من الأصدقاء أسأل عن تونس، وعن ناسها وعن حالها بعد كل هذه السنوات. صدمت كثيرا من ردود وتعليقات البعض. حيث جاءت بعض الردود محملة بسوداوية لم أعهدها في لغة الشخصية التونسية سواء كانت شخصية مثقفة وأكاديمية أو في لغة الرجل العادي في الشارع، والحارة والمتجر. الوضع السياسي مترنح وهناك انسداد لهيمنة جهة ما على مقاليد السلطة قد تودي بالبلاد إلى نقطة مسدودة لا سمح الله، والاقتصاد منهار، والوظائف معدومة، وطالبو الهجرة بالآلاف، ومن يركبون البحر في هجرة غير قانونية إلى أوروبا في ازدياد. وجاءت كارثة كورونا وزادت كل ذلك الطين بلة. المستشفيات عاجزة عن استقبال الحالات الجديدة، والنقص في مواد الطبابة وعلاج المرضى في نقص متصاعد، والناس أصبح لديها حالة تشبه اللامبالاة سياسية، واجتماعية وصحية. حتى أن تسجيل حالات الإصابة اليومية بما يتجاوز الثمانية آلاف حالة، وأصبح هناك معدل يومي للوفيات بحدود المائة والخمسين نسمة يوميا. رغم كل هذه الظروف لدي يقين بأن تونس تستحق الأفضل، وكما قال الرئيس التونسي قبل أيام لن تهزم الناس في تونس هذه الظروف القاهرة، ولعل أولى طاقات الأمل بدأت تضيء هذه العتمة بتدفق المساعدات العربية، والدولية على تونس لعلها تخفف من هذه الظروف الضاغطة، وتعيد لتونس أوجهها الجميلة.
@salemalyami