ما زالت التطورات الأخيرة في تونس تلقى ردود فعل، سواء دوليًا أو عربيًا، وتعيد إلى أذهاننا فشل تجربة حُكم الإخوان في مصر، وإخفاقهم في محاولات الصعود إلى السلطة في دول أخرى مثل سوريا وغيرها. فالقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، والتي اقتضت تجميد كل سلطات مجلس النواب، وأيضًا رفع الحصانة عن كل أعضائه، وحل الحكومة مستندًا على الفصل 80 من الدستور التونسي، كانت المسمار الأخير الذي سيُدق في نعش الإخوان بتونس، ويبدو أن الرئيس التونسي أدرك أن المركب التي تحمل تونس توشك على الغرق، فكان لابد مما ليس منه بُد، بعد أن فشلت حركة «النهضة» التي يترأسها راشد الغنوشي فشلًا ذريعًا في الحكم، وتسببت في انتشار الفقر والإرهاب والأزمات السياسية والاقتصادية المتعاقبة؛ مما أوصل مؤسسات الدولة لحافة الانهيار، ووصول تونس كذلك لانسدادٍ مردّهُ عشر سنوات من حكم النهضة.
الغنوشي الذي أظهر استنكارًا من القرارات، وبما يقتضيه الدستور، كان على الرئيس استشارة جهتين رئاسيتين، منهما مجلس النواب، لذا اعترف راشد الغنوشي بأن رئيس الجمهورية استشاره في إجراءات طارئة، أعقبها تجميد مجلس النواب، ورفع الحصانة عن أعضائه، وحل الحكومة، وهُنا انهار الركن الركين لطموحات الغنوشي وحركة «النهضة» المزعومة التي كانت تعوِّل على تمرّد رئيس الوزراء المشيشي على قرارات الرئيس التونسي، لكنه اعترف بالقرارات، ووعد بتسليم السلطة لرئيس الوزراء الذي يعيّنه الرئيس، ونجد هُنا أن جماعة الإخوان ليس لديهم مشروع وطني محدد الملامح، ودائمًا ما يؤول سلبهم للسلطة للفشل عند أول اختبار حقيقي لسلطتهم المزعومة، ولعل ما جرى لهم في مصر سابقًا، واليوم في تونس، خير دليل على ذلك، تونس تعيش لحظة فارقة اليوم، ونالت ما كان يجب أن تناله منذ عشر سنوات، ونستطيع أن نقول إن كابوس الإخوان على الدول العربية يندثر تدريجيًا، وما حدث في تونس يؤكد لنا ذلك، فالشعوب العربية آن لها أن تعيش بعيدًا عن الجهل والرجعية، وعصابات التأسلم السياسي التي قادتها جماعة «الإخوان» في المنطقة العربية والعالم أجمع.
الوضع في لبنان أيضًا كما هو عليه في تونس، والاختلاف هُنا أن تونس غرقت في فخ الإخوان سابقًا، ولبنان غرقت في فخ إيران تحت شعارات دينية تنافي المدنية في كلا البلدين، وتكاد تونس تشابه لبنان كذلك في نسيجها السياسي، ووجود قوى تحرّكها، ولاءات خارجية متعددة ومتناحرة حول النفوذ، إلا أن الفارق هُنا، وما يجنّب الصدام في تونس هو غياب الطائفية الموجودة في لبنان التي لا تزال في عُنق الزجاجة.
@HindAlahmed