وكل إنسان منا قد تحزنه مواقف معينة وأمور متفاوتة، وقد يعدها البعض بسيطة وهينة، بينما ينظر إليها من وقع عليه الأثر أنها كبيرة ومؤلمة.
وباختلاف الحدث ودرجته تختلف ردة أفعالنا له. ورسولنا -عليه الصلاة والسلام- وهو قدوتنا مرت عليه مواقف متعددة من الحزن، منها وفاة زوجته خديجة -رضي الله عنها- وفي نفس العام أيضا مات عمه أبو طالب. فكان لهذين الحدثين الأثر البالغ في نفسه كنفس بشرية. وقد سمي ذلك العام (عام الحزن). والمتأمل لقوله سبحانه وتعالى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) سيجد فيها إشارة واضحة إلى حزنه في أمر عظيم، حيث كانوا يكذبونه، وهو يتمنى لهم الهداية والحق. وتلك سنة جارية للرسل في أن البعض يكذبهم ويخالف طريقهم بغيا وعدوانا.
ولنا أيضا في قصة يعقوب -عليه الصلاة والسلام- خير مثال على الحزن الشديد، والأثر الطويل الذي يبقى مع النفس مع أنه كان نبيا يوحى إليه، ولكن تظل النفس البشرية بطبيعتها تتأثر للمواقف والأحداث، وتبقى ردة أفعالنا هي الفيصل والمقياس. والواقع أننا نتفاوت في درجات الصبر والتحمل، بل إننا أيضا نتفاوت كثيرا فيما هو أهم من ذلك، ألا وهو الصبر مع التفاؤل في الخروج من حبائل الأحزان. نعم، هي ليست بتلك السهولة لأنها تحتاج إلى عزيمة قوية، وصراع شديد مع النفس للخروج من الثقب الأسود للحزن. وما نقوم به هو الذي سيحدد إذا كنا سنستفيد من الدرس القاسي ونتعلم ونمضي قدما، أم سوف نتوقف طويلا على الأطلال ونتقوقع على أنفسنا.
والحياة من سننها أنها دائمة السير ولا تتوقف من أجل أحد. وليس من طبعها أن تكون دائما توافق أهوائنا وما نشتهي، بل جزء من هذه الحياة كثرة التقلبات والصراعات، وتنوع الصعاب والمصائب بأشكال ومقادير متباينة. وكما قال الشاعر: طُبعتْ على كدرٍ وأنت تريدها... صفواً من الأقذاء والأكدار.
والناس متفاوتون في هذه القضية، فلا تطالب شخصا نهض من حزنه في أيام بأن تكون ردة فعل شخص آخر مماثلة له. فالشخصيات البشرية ونفسياتها مختلفة من حيث البأس والتحمل، ومن حيث الفترات والأوقات، التي يحتاجونها للخروج من بوتقة الحزن والتقدم إلى الأمام. ولنعلم أن الواقع يقول إن البعض قد يطول به المقام، وقد يبقى للأسف في مكانه لا يبارحه! وهذه المعضلة قد تحتاج إذا تفاقمت إلى أخصائيين تربويين أو نفسيين للتشخيص والمساعدة.
ومع ذلك، فإن للحزن فوائد وجوانب مضيئة! ففي نهاية النفق نتعلم الصبر، ومنها الأجر والثواب، ومنها معرفة الصديق وقت الضيق. ومنها صقل الشخصيات والنفوس. ومنها أيضا معرفة أن الدنيا كلها ليست مقام فرح دائم ولا سعادة أبدية، فلا حزن يدوم ولا سرور كما يقال. ومن الفوائد أن الأمور تعرف بأضدادها، فلولا الحزن لم نعرف الفرح، ولولا الشدة لم نعرف الرخاء، ولولا الخوف لم نعرف الأمن.
ومن المهم الاعتراف به (الحزن)! وأن نحاول جاهدين إقناع أنفسنا بأنها مرحلة مؤقتة في الحياة، وأنها سنة قد وقعت لمَنْ كان قبلنا، وستقع لنا ولمَنْ يأتي من بعدنا. ولكن ما يدريك لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
abdullaghannam@