يتشارك الأطفال جميعهم سرا لا يعرفه إلا القليل من الكبار، في عيشهم اللحظة باستغراق ودهشة لا تنضب، فلو نظرت لطفل يلعب ستلمس شغفه في كل حركة، فهو ينطلق نحو اللعب بشغف، ويكتشف كل موقف بشغف، ويتأمل مشاهد فيلمه المفضل بشغف، ولو نظرت إلى عينيه ستلتقط بريقا مشعا من البهجة، ولعل السر في ذلك هو نقاء الوعي الذاتي لديه، لأنه لم يتعلم بعد الخوف من الفشل، أو الخجل من أحكام الناس، ولهذا تجدهم ينغمسون في الفرح المطلق بدلا من التركيز على نظرة الآخرين، ويمارسون التعبير عن مشاعرهم بشجاعة، والتحدث عن احتياجاتهم بوضوح، وهي أمور قلما نجيدها نحن الكبار، مما يخمد منسوب الشغف بدواخلنا، فنعيش حالة من الخمول المشاعري تجعلنا غير مكترثين لروعة العالم من حولنا، فإذا شككت بأنك ستمسي شخصا بالغا مملا وضجرا مثل الذين أقسمت يوما بأنك لن تصبح مثلهم أبدا، فقد حان الوقت لإنقاذ الطفل الذي عشته صغيرا من قيود الكمال المزيف وعقد الايجو البالغ، واسمح لهذا الطفل بأن يكون معلمك الأمثل لتصبح شغوفا أكثر وتستمتع بكل لحظة من حياتك المليئة بالعجائب، خاصة إذا كنت من أولئك الذين يسعون لإحكام سيطرتهم طوال الوقت، ويغضبون عند خروج الأمور عن مسارها، فإذا كنت منهم فالاحتمال بعيد جدا عن العيش الشغوف، المتناقض تماما مع النزوع للكمال المرضي وحب السيطرة، لأنها تسعى لإبقاء الأمور متجمدة ضمن الحدود وتقاوم التغيير، بينما يزدهر الشغف بسبب المجهول ويتغذى من الحركة ويعشق التحرر، دون الحاجة لأن يكون مبررا ومنطقيا، فهو ببساطة يظهر لأنه يريد ذلك، ويعبر عن نفسه من أجله، ولهذا فمن أجل الدخول في عالم الشغف علينا أن نتخلى عن حاجتنا لتوقع النتائج، وننفتح على سعة الاحتمالات، ونسمح لما هو غير متوقع بالتكشف، فالشغف ليس بفكرة أو نوع تصرف، بل حالة وجود تنبض فيها الروح، فقد تكون حياتنا مريحة ومقبولة بالنسبة للآخرين، لكننا لو صدقنا في مخاطبة أنفسنا سيتوجب علينا أن نعترف بأنها خالية من مشاعر الشغف الحقيقي، وقد نجهل كيفية تحقيقه رغم شدة ذكائنا في المجالات المنطقية، فالأشخاص الذين يمضون وقتا طويلا في التخطيط والتفكير ليسو دائما أفضل الأشخاص الشغوفين، ولا يعني أن تخدر عقلك لتعيش بشغف أكبر، بل استفد منه كأداة قوية تساعدك على توجيه شغفك بإبداع وتوازن نفسي، ولكي تجد طريق العودة إلى شغفك عليك أولا أن تجد الطريق إلى قلبك، وأن تمضي وقتا أكثر مع الذين يتواصلون مع قلبهم، فالشغف معد، فعندما تكون مع شخص قلبه مفتوح سيصبح من السهل والأمان بالنسبة إليك أن تنفتح لمشاعرك، وإذا نظرت حولك ستجد العالم مليئا بأشخاص مستعدين بحماس أن يرقصوا معك رقصة الشغف، فهل تتذكر متى كانت آخر مرة أخرجت فيها جانبك الشغوف ليمرح؟، ومتى كانت آخر مرة استمتعت فيها كالأطفال؟، فاسترخ وتوقف عن القلق حيال ما يفكر به الآخرون، وعن كثرة التدقيق والتحليل وانطلق نحو الحياة بشغف ممتع كالأطفال.
@LamaAlghalayini