في بداية التسعينيات الميلادية عملت الوزارة مشروعا ضخما لشبكة الهاتف في جميع المدن الرئيسية، وبعد انتهاء المشروع كان موظفو الوزارة بأقسام التركيبات يطرقون الأبواب ويعرضون عليك تركيب هاتف فوري.
انتشر الهاتف بشكل سريع إلى درجة أنك لن تجد منزلا لا يمتلك «تلفون» وارتفعت أسعار العقار والأراضي للمناطق التي شملها المشروع «حتى أن المؤجر يرفع الإيجار بعشرة آلاف ريال بسبب أن منزله مغطى بشبكة الهاتف أو أن البيت به تلفون أساساً».
وبما «أن لكل زمان دولة ورجالا» فقد فقد الهاتف «الثابت» حرارته ووهجه وخدماته، وطبيعي أن يفقد أهميته بعد انتشار «الجوال» لسهولة حمله والرد على أي مكالمة في أي وقت ومكان، بدايات شبكات الجوال لم تكُن قوية فقد عانى أوائل المشتركين من انقطاع الاتصال وسماع أصوات مزعجة ورسائل «جزء من النص مفقود» وانعدام الاتصال في الطرق بين المدن، ولكن بقي هو الأفضل، ومن الطبيعي أن يكون أوائل المشتركين من علية القوم ورجال الأعمال وكبار موظفي الدولة بسبب التكلفة العالية جداً للاشتراك ورسوم المكالمات.
اليوم يمتلك أكثر من ثلاثين مليون سعودي وأربعة ملايين وافد شرائح الجوال، ولم يعد مجرد اتصال واستقبال وإرسال رسائل الجوال، اليوم هوية لا يمكن الاستغناء عنها فمن خلال تسجيله في جميع أجهزة الدولة تستطيع الحصول على خدمات ومعلومات مميزة، بإمكانك الدخول لجميع خدماتك الحكومية، تستطيع إدارة شؤونك البنكية والمضاربة في الاسهم والتحويلات وتسديد الفواتير وحتى الزكوات والصدقات، وأنت مستلقٍ على سريرك، يقودك إلى أي جهة وفي أي بلد حتى تصل لوجهتك من خلال «اللوكيشن» ترتبط مع أسرتك وأصدقائك وزملائك ومعارفك دائماً وفي أي وقت من خلال وسائل التواصل، والأدهى من ذلك تتصل صوتا وصورة بمن تحب «مجاناً».
وطالما أن الإنسان يفكر ويبتكر وموجود فلعل يوماً ماء سنقول يوماً ما كُنا نحمل في جيوبنا أجهزة ثقيلة مملة محدودة الفائدة؟!
وقفة
يقول الأمير الشاعر محمد الأحمد السديري
لولا الهرم والفقر والثالث الموت
يالا دمي بالكون ياعظم شانك
سخرت ذرات الهوى تنقل الصوت
وخليتها اطوع من تحرك بنانك
@sajdi9