لقد تركت الوسائط التقنية أثرها الكبير في الإجهاز على ما تبقى من هذه العلاقة، التي بدأت تترنح عندما رأينا المجتمعات على وقع تطورها الصناعي والعلمي والمعرفي منذ بدايات القرن التاسع عشر قد دخلت في طور آخر من الحياة لا تمت إلى سابقاتها بشيء.
لذلك ظهرت جراء ذلك ظواهر عديدة من أهمها انحسار شخصية المعلم بوصفه القدوة الكبيرة وصاحب الكاريزما والرمز المؤثر عن الوسط المعرفي والثقافي، والاستعاضة عنه بمحركات البحث مثل «جوجل» و «اليوتيوب» وغيرهما، مما أوجد حالة من الفراغ أو لنقل: الضياع في انتقال المعلومة من وسيط إلى آخر، من شخص سابق لا ينقل المعلومة إلا في سياقات من الخبرات التربوية والثقافية والاجتماعية والحياتية إلى شخص لاحق لا يتلقاها إلا وهي مشروطة بهذه السياقات، بينما في حالة محركات البحث تنتفي هذه الشروط، فهذا الجيل ليس أمامه سوى المعلومة منزوعة من الحضور الإنساني لحظة تلقيها أو استقبالها.
أيضا يتبع هذا الانحسار غياب التقاليد الراسخة في توقير العلماء وكبار المعلمين، التي هي من صميم أخلاقيات تلك العلاقة. وهذا لا يعني أن هذا الجيل أضاع البوصلة إلى هذه الأخلاقيات. لكن ثمة عوامل عديدة أفسحت في المجال كي نشير إلى مسألة الغياب. فالعالم الافتراضي أحكم قبضته على كل صغيرة وكبيرة في حياة هذا الجيل (وعندما أقول هذا الجيل لا يعني أنه لا ينسحب على مَنْ سبقهم من جيلين على الأقل. لكن هؤلاء أخف وطأة في التأثر بهذا العالم لأسباب ليس هنا محل ذكرها ) بدءا من أكله وشربه إلى ملبسه وأمكنته التي يعيش فيها، وذوقه ورغباته وعلاقاته وحبه وحزنه.. ألخ. وكأن الشعور الإنساني ووجدانه الداخلي أصبح مرآة نفسه، يتوهم أنه يخاطب الآخرين ويحاكيهم. لكنه بالنهاية لا يخاطب سوى نفسه عبر هذا العالم أو هذا الفضاء.
@MohammedAlHerz