إن للبيئة والمحيط الذي يعيش فيها الفرد دورا كبيرا وواضحا في عملية تنشئته وتكون شخصيته، فهو يتأثر بما يجري من حوله من مختلف الممارسات الإنسانية، التي من خلالها يكتسب خلفية المزاج الإيجابي، ورصيد الأخلاق الطيبة ونمط التفكير السليم، ومختلف الأنماط السلوكية المرغوبة، ذكر الدكتور عبدالرحمن عميرة في كتابه «رجال ونساء أنزل الله فيهم قرآنا»، عن نشأة النجاشي في جزيرة العرب عبدا رقيقا يرعى الأغنام لسيده الذي اشتراه في منطقة قريبة من بدر التي يكثر فيها الآراك، وفوق الصحراء الممتدة عبر الأفق وفي الليالي المقمرة في تلك البقاع، ومع السكون الشامل الذي يلف الكون كله صفت نفسه ورفرفت مسبحة باسم الخالق المبدع لهذا الوجود، حيث مكث في أرض العرب فترة طويلة تعلم من لسانهم وعرف لهجاتهم واكتسب الكثير من صفاتهم، مما انعكس ذلك على أخلاقه وفكره وطريقة حواره، وحسن الإصغاء والفهم، عندما اشتد التعذيب على المسلمين الضعفاء في مكة من قبل كفار قريش، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لأصحابه لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم مخرجا مما أنتم فيه، فعندما وصل المسلمون أرض الحبشة استقبلهم وتفهم وضعهم وصدقهم، كل تلك الأوقات التي قضاها والممارسات التي عاشها في أرض العرب والقناعات التي تكونت لديه بشكل صحيح أظهرت أثر البيئة والتعلم لديه، وهذا يؤكد لنا أن البيئة لها دور مهم وتأثير عميق في فهم الشخص وتوسيع مداركه، واكتسابه الخبرات التي تعتبر رصيدا مهما في ملفات البناء المعرفي لديه التي سوف تخزن في الذاكرة الطويلة في العقل الإنساني والتي لا تنتهي مهمتها إلا بالموت، القدر هو من جاء بالنجاشي لتلك البيئة الخصبة الصالحة، ولم يأت به أب يهتم به ويعلمه، فما بالك بمن يوجد لديه أب، من هذا المنطلق كان لزاما على كل ولي أمر الانتباه لأولاده، واختيار البيئة الصالحة للعيش بها واكتساب المهارات والأنماط السلوكية الإيجابية المختلفة، واختيار الرفاق والأقران، ومتابعتهم متابعة حثيثة، وتوجيههم إلى مكارم الأخلاق والطريق القويم، وعدم ترك الحبل على الغارب، بلا شك إن الصلاح من الله سبحانه وتعالى، لكن الإنسان يبذل الأسباب ويحسن التربية ويبذل الجهد والتحمل والصبر، إن اختيار البيئات الخصبة في الأخلاق والقيم له دور إيجابي ويساعد النشء مستقبلا بعد توفيق الله في اختيار الطريق المستقيم والعمل الصالح، ويصقل شخصيته ويحسن أسلوبه وتعامله مع نفسه ومع الناس.
@alnems4411