ثقافة الصين الفلسفية
أصبحت أحد المصادر الروحية، الذي ينهل منه علماء حركة التنوير في أوروبا، فكانت الفلسفة الكلاسيكية الصينية والمذهب الكونفوشيوسي، والمذهب الطاوي وغيرها من المبادئ أثرت بصورة كبيرة على أفكار الفيلسوف الفرنسي ديكارت (1650-1596)م ونظيره فولتير (1694-1778)م والفيلسوف الألماني ليبنتز (1716-1646)م، الذي كتب في مقدمة كتاب (الأحوال الراهنة في الصين) قائلاً؛ «إننا منذ زمن بعيد لا يوجد بين ظهرانينا مَنْ يصدق أن في العالم أمة نظامها الأخلاقي أكثر كمالاً من نظامنا وطريقها في تثبيت أقدامها ومعالجة شؤونها أكثر تقدما من طريقتنا والآن تأتي الصين وتجعلنا ننهض من سُباتنا العميق»، ثم جاء الفيلسوف الألماني لودفيغ (1804-1872)م وذكر قائلاً:
«والتاريخ عميق الأغوار لهذه الإمبراطورية الصينية جعل جميع الحكام الصينيين فيها يدركون أنهم يجب عليهم أن يجعلوا بلادهم مزدهرة ويتعين عليهم الاعتماد على الأخلاق» وانطلاقا من ذلك انتشرت ظاهرة في أوروبا لحين من الوقت هي الإعجاب بالصين، حيث انتشرت في المجتمع الأوروبي على نطاق واسع المنتجات الصينية من الشاي والفخار والخزف والحرير والمطرزات. وأثرت الشخصيات الصينية والمناظر الطبيعية من الأنهار والجبال في الصين على الرسامين الأوروبيين، كما انتشر فن الحدائق الصينية في أوروبا.
المبشر ماثيو ريتشي والصين
وصل ماثيو ريتشي (1552-1610)م الصين عام 1582م، ودرس اللغة الصينية أولاً في مكاو وفي العام التالي انتقل إلى مدينة
جاو تشينغ وحصل على تصريح بناء كنيسة.
وبدا نشر الدين المسيحي وأقام اتصالات مع كبار موظفي الدولة من كل الطبقات والفئات والشخصيات الاجتماعية المرموقة.
وقام بشرح وتفسير الآثار التاريخية والأنظمة الأوروبية، كما قدم المعارف الغربية في الفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء. وعرض في بيته الساعات الدقاقة والخرائط والبلانيتاريوم (جهاز يُظهر حركات الشمس والقمر والكواكب السيّارة والنجوم بتسليط النور داخل قبة) حتى يتفرج عليها الناس واضطلع بدور مؤثر في الدعاية والإعلان.
عام 1589م
وصل ماثيو إلى مدينة شاوتشو، حيث اطلع على المؤلفات الكونفوشيوسية، وذلك لمحاولة من جانبه تمهيدا لدخول العاصمة بكين عام 1602م. حين وصل ماثيو إلى بكين استقبله الإمبراطور شين زونغ من أسرة مينغ آنذاك. وقدم المبشر اليسوعي هدايا للإمبراطور منها الكتاب الكاثوليكي والتماثيل الكاثوليكية وساعة دقاقة وخرائط والبيانو الغربي. وحصل على الموافقة لبناء كنيسة في داخل الحي السكني بوابة شوان ووَ في قلب بكين من أجل التبشير بالدِّين المسيحي.
رفع ماثيو ريتشي راية احترام للكونفوشيوسية أثناء وجوده في بكين، وعندما عاجلته المنية في بكين كان عدد مريديه أكثر من ألف وخمسمائة فرد. واهتمت نشاطاته التبشيرية باستيعاب الثقافة التقليدية الصينية ودمج الكونفوشيوسي ونظيره الكاثوليكي في وحدة عضوية واحدة، مما جعل أثره هائلاً داخل صفوف المثقفين والمسؤولين الحكوميين والأعيان والوجهاء في أسرة مينغ الحاكمة.
@alhussainahmed0