لا أعتقد أن هناك ممرا مائيا في العالم شهد حجم الأخطار، والتهديدات التي شهدها الخليج العربي، والمسطحات المائية الدولية، والإقليمية المحيطة به، فمنذ ما يزيد على أربعة عقود وما يسمى الثورة الإسلامية في إيران عبر ذراعها العسكرية التي هي أحد أسرار قوة، ونفوذ المتشددين من رجال الدين في إيران، يوتر المنطقة المائية التي كانت تاريخيا ناقلة للحضارات بين الناس، وهي اليوم من أهم شرايين الثروة، والحياة ليس لعرب الخليج بل للمنطقة، وللعالم. هذه الثورة منذ قيامها ومصطلح حرب الناقلات، أو حرب السفن يتبلور ويبرز للوجود، بسبب المحاولات المتكررة للسيطرة، والهيمنة على المنطقة أمنيا، واقتصاديا، وسياسيا، وثقافيا، أحلام إيران في أن تنقلب هذه المساحة الصغيرة مقارنة بغيرها من المساحات المشابهة في العالم، إلى بحيرة إيرانية خالصة، لا يمكن التعامي عنها، الشيء الأهم هو أن إيران الثورة تحاول عبر تحقيق هذه الطموحات استفزاز البعيد، وتهديد القريب، يظهر ذلك للمراقب بجلاء من خلال العواصف الصراعية التي شنتها إيران ضد المنطقة العربية، ودولها، وضد المصالح العالمية في المنطقة منذ قيام ما يسمى الثورة الخمينية. الأشهر الأخيرة عاد للأذهان صراع السفن، والمركبات البحرية بين الحرس الثوري وبين القوى الإقليمية، ونصيب المنطقة العربية من تلك الصراعات الثنائية أن منطقتنا العربية، ومصالح دولنا الحيوية غالبا ما تكون الثمن الذي يخسره طرف، أو يكسبه طرف إقليمي آخر، بعبارة أخرى منطقتنا، ومياهنا الإقليمية، ومقدرات دولنا، ومستقبل أجيالنا، في مرمى نيران، وعبث هذه القوى، وكل ذلك هو الضحية المباشرة لصراع الأقطاب الإقليمية. الحادثة الأخيرة التي تعرضت لها ناقلة النفط «مير سر ستريت» أوجدت حالة نوعية في صراع الناقلات، أو السفن حيث قتل ضمن الهجوم الإيراني عليها شخصان، الأول من الجنسية البريطانية، والثاني روماني الجنسية، واحتوت التداعيات الأولى للأزمة القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة، من حيث أمنت الناقلة، وأوقفت تداعيات العدوان العملي عليها، وعلى أثر ذلك تبلور موقف جماعي دولي انضمت إليه الولايات المتحدة الأمريكية سعى خلال الفترة الماضية، وربما يستمر لأيام قادمة في محاولة بلورة رد سياسي كمرحلة أولى، ينتج عبر قرار دولي يدين تصرف الحرس الثوري في قتل الأبرياء وتوتير ممرات الملاحة الدولية. هذا الإجراء لا يعبأ به الجانب الإيراني كثيرا كونه يتكئ على مواقف الحلفاء التقليديين في مجلس الأمن، كل من روسيا، والصين، وقدرتهما على تعطيل، أو تمييع أي قرار دولي فيما يتعلق بأمر صراع الناقلات. هناك جزئية أخرى لا تثير كثيرا من القلق لدى الجانب الإيراني وهي العقوبات التي قد تفرض من الدول المتضررة خصوصا مع وجود الجانب الأمريكي مع الدول التي تقف في مواجهة إيران وحرسها الثوري، وذلك لأن تجربة العقوبات لم تثن الحرس الثوري عن مزيد من مغامراته، ولم تنجح بشكل ناجع في تغيير المواقف السلبية للثورة الإيرانية. ولعله من سوء الطالع أن تأتي هذه التوترات الأمنية، والسياسية العالية مع تنصيب ما يسمى مرشد الثورة في إيران للرئيس الجديد، الذي هو صناعة المرشد، والرجل له ماض غير ناصع على الإطلاق في التشدد، والقتل، وقمع أي صوت ينتقد الثورة التي ترهلت خلال العقود الماضية، وأصبحت عبئا على الشعوب المكونة للسكان فيما يسمى إيران. إذن المنطقة والعالم أمام موجة جديدة من الصلف، والتشدد الإيراني المعهود، وبعد محاولة الدول المتضررة إنضاج الحل السياسي يتوقع أن يكون هناك حل عسكري، أي مواجهة بين القطبين الإقليميين المباشرين، وجل ما يخشاه أعلب المراقبين ألا يكون الرد الذي بدأ يكثر الحديث عنه بعد التمادي الإيراني المستفز باحتجاز، وتفتيش مزيد من الناقلات الدولية على أرض عربية، فالأراضي العربية لم تعد تحتمل مزيدا من صراعات الآخرين. ويبقى الرأي الذي يلوح في الأفق حول ضرورة التعاطي الدولي مع هذه الثورة الجامحة، وغير المنضبطة حتى اليوم لتحويلها إلى دولة تحترم القانون الدولي وتكون أكثر أهلية للانخراط في المنظومة الدولية المحبة، والراعية للأمن والسلم الدوليين.
@salemalyami