أن يقبل المرء على مساءلة نفسه وعلى طرح الأسئلة بشأن من يكون وماذا يريد، يقتضي أن يكون أنانيا، ليس بمعنى أن يستغل الآخرين بل بأن يمنح نفسه الأولوية، بالتزامه أمام نفسه بالاحتفاء والشكر لكل ما يحمله الكون له، وأن يتمسك بحقه في العيش الطيب، وأن يتواصل بشفافية مع وعيه الباطني، ويقبل على مساءلة نفسه بصدق في كيفية تصرفاته واستجاباته وتواصله مع الآخرين، وحين نتكلم عن المساءلة الذاتية فنحن لا نعني جلد الذات والدوران في دوامة من الاعتذارات واللوم، بل ذلك الصدق الذي لا يرتبط مع الآخرين بل بالوضوح مع رغباتك وهواجسك وحاجاتك وجوانب ضعفك، فمن السهل لأي منا الوقوع أسير أنماط من المشاعر والتفكير والسلوك الذي قد يتناقض مع ما نسعى إليه حقا، وإن وضع اليد على هذا الخلل، وكشف التناقض بين ما نرغب به حقا وما نفعله على أرض الواقع يقع في صلب المبادئ القائمة لحاجتنا لتعميق وعينا الباطني، الذي سيساعدنا لكشف مدى التناغم بين اعتقاداتنا وقناعاتنا الخفية، وما نريد أن نكونه أو الأهداف التي نطمح لها، فالمحاسبة الذاتية لا تعني أنه يتوجب عليك التكفير عن كل الأخطاء التي ارتكبتها سابقا، أو الانغماس في كتابة رسائل الاعتذار لمن حولك، لكنها دعوة لتبني أطر صادقة وصريحة في التفكير والتصرف، فكم يكون مريحا مثلا أن تبادر من ينتظر وصولك بعد تأخرك بالقول «عذرا تركت البيت متأخرا»، عوضا عن تأليف حكاية كاذبة يكون بطلها ازدحام السير أو تعطل السيارة وإلى ما هنالك من أعذار واهية، فهذا النوع من الكذب لا ينطلي على أحد، كما أن كثرة الأعذار تفصلنا عن وعينا الباطني وتبعدنا عن حميمية العلاقة مع الآخرين، وكلنا يلمس ذلك الشعور المريح الحر الذي يترافق مع قول الحقيقة، ولهذا فانطلاقا من هذا الوعي الشجاع في تصورك الداخلي لنفسك حاول أن تجري بعض التغيير في تصوراتك للآخرين، بأن تتذكر مثلا وبدون أن تفقد هدوءك موقفا تعرضت فيه للإساءة من جانب صديق أو أحد أفراد العائلة، أو من جانب زميل في العمل، ويمكن لأي منا أن يملك بلا أدنى شك موقفا مماثلا، فكلنا شعر بالأذية المتعمدة أو غير المقصودة من جانب أحد الأشخاص، فهل نريد لذلك الشعور المزعج أن يلتصق بنا للأبد، أو نفضل استثماره في مزيد من النضوج والنمو الروحي؟، ويمكننا البدء بذلك عبر التوقف عن النظر إلى أنفسنا كطرف سلبي خامل يستقبل الأحداث ولا يملك السيطرة عليها، بل نبدأ في قبول فكرة أن الركن الأول للمساءلة الذاتية يكمن في فهمنا الصحيح للدور الذي نلعبه في خلق أزمات حياتنا، وبالعودة للمثال السابق فيمكنك بعد تذكر الحدث المزعج أن تطرح على نفسك السؤال بمدى مساهمتك في التسبب بحدوث ذلك الموقف، وكيف كانت مساهمتك في زيادة حدة الأمور، وأن تتقبل فيض مشاعر الإنكار ورفض المسؤولية التي سرعان ما ستجتاح كيانك فور بدء التساؤلات، وأن تتفهم بأنها مجرد حيل دفاعية لرغبتك العميق في الدفاع عن نفسك، وامنح نفسك الوقت والتفهم لمراجعة الأجوبة التي وصلتك من أعماقك، وحاول بعدها أن تتخيل حدثا مشابها في المستقبل وأن ترى نفسك باستجابة مختلفة وأكثر مسؤولية وشجاعة مما مضى.
@LamaAlghalayini