إيمانك به هو أن يكتبك هو مهما حاصرتك الحياة برياحها العاتية: عامل السباكة البطيء في عمله، لا يغادرك إلا بعد أن يأخذ الشعر معه بالخطأ في صندوق أدوات السباكة، صاحب المنزل الذي يطالبك بالإيجار، كلما طرق عليك الباب، لاح سنارته وسحب كلمة أو كلمتين من قصيدتك ثم ودعك إلى لقاء قريب، جارك الكريم الذي تصادفه بين فينة وأخرى يلح عليك كل مرة أن تزوره في جلةت سمر، موبايلك الذي لا يغادر يديك، وتسرق النظر إليه بين دقيقة وأخرى، لتتأكد إذا ما كان هناك خبر لواجب اجتماعي ستؤديه مع العائلة، زوجتك وهي تعد قائمة المشتريات ثم تكتبها في قصاصة صغيرة، بعد أن تقنعها أن القصاصة أفضل من الواتساب بالنسبة لك، مزاجك الذي تحاول أن تسيطر عليه في شهر أغسطس بقوة الذهاب إلى المقهى مع أحاديث الأصدقاء. لكنه لا يستجيب، سيارتك التي تعطل مكيفها وأنت منذ أسبوعين تحاول إصلاحها دون فائدة.
الانقطاع عن الشعر أمام صعوبة الحياة وطرقها الملتوية لا يعني الخسارة، يعني احترامه، واحترامه لا يعني سوى شيء واحد هو احترام الذات.
يصادف أننا نأتي إلى الشعر من مسارات مختلفة لا نعلم عنها شيئا ولا ندرك حقيقة ما نحن مقبلين عليه. عندما سئل الشاعر الأمريكي تشارلز سيميك - نقلا عن الشاعر العراقي عبد الزهرة زكي في كتابه «طريق لا يسع إلا فردا» ص67- متى وكيف بدأت كتابة الشعر؟ أجاب «كنت مجرد تلميذ مراهق في المدرسة الثانوية يكتب القصائد ليلفت انتباه البنات، ولكن بدون أي طموحات أخرى أبعد من ذلك».
والغريب أن اللغز الذي حيره كثيرا هو أنه لا يعرف كيف استمر في كتابة الشعر إلى هذا اليوم بعد أن انقضت الحاجة إليه.
هناك شعراء كانت دوافعهم لكتابة الشعر لا تتجاوز سوى إثبات الذات بأي صورة كانت، وإذا زالت أسباب هذه الدوافع وجدت الكثير منهم انسحب من كتابة الشعر، إما لأنه عرف حجم قدراته ثم وجهها الوجهة الصحيحة خارج نطاق الشعر، فاستراح منه الشعر وكسبه مجال إبداعي آخر: الرواية أو القصة أو الفن... إلخ، أو ظل يوهم نفسه أنه شاعر لا يجارى بالمطلق فآذى الشعر وآذى نفسه وآذى جمهور المتلقين. فإذا كان الأمر كذلك، فما بالك بالذين يكتبون شعرا صباحا ومساء، ويتحفوننا في وسائل التواصل بشكل يومي، وكأن الشعر حملهم رسالة يقول فيها: إننا في مسابقة إبداعية ينبغي أن تكون فيها كتابة الشعر أكثر من كتابة الأنواع الإبداعية الأخرى.
@MohammedAlHerz