المثالية تعرف على المستوى الشخصي بأنها سعي الإنسان لأن يكون الأفضل في كل شيء، وأن يكون كل ما يحيط به كاملا، ولا يقبل بأقل من ذلك.
فصاحب المثالية المفرطة غالبا ما تجده منعزلا عن مجتمعه ساخطا عليه في الغالب، يصف المجتمع بالتخلف والرجعية، لمجرد مخالفة عدد من أفراده للأنظمة والقوانين، وهو صاحب نظرة سوداوية دائم التسخط والنظر إلى نصف الكأس الفارغ، ودائم التركيز على السلبيات دون الإيجابيات، يضخم الهفوات ويعتبرها أخطاء لا تغفر، لذا يصعب أن تجد له صاحبا، ويستحيل أن يأنس أحد لمجلسه، ويفر من ملازمته كل صديق.
وصاحب المثالية المفرطة كذلك، غير ناجح في عمله في الغالب، لأن مثاليته المفرطة تدفعه إلى عدم القدرة على الإنجاز، لكونه لا يقتنع أبدا بأي عمل يقدمه، ويكون من الصعب عليه الوفاء بالالتزامات العملية، وأداء المهام في أوقاتها المحددة.
وعلى النطاق الأسري لا يستطيع المثالي أن يكون أسرة، لأنه لا يحسن الاختيار، فمتطلباته في شريكة حياته يستحيل توافرها، ففي نظره أن تلك موظفة كثيرة الانشغال، وهذه طويلة أكثر من اللازم، وتلك قصيرة، وهذه يسكن أهلها في مدينة أخرى، ويمضي الوقت دون الاستقرار على قرار.
للمثالية المفرطة أسباب، منها الخوف من الفشل، ومرد ذلك لأمور تتعلق بالتربية الخاطئة، كمطالبة الطفل بأن يكون على غير شخصيته الأساسية، أو مقارنته بالآخرين، أو التعرض للإحباط والسخرية والتنمر، أو شعور الطفل بالإهمال أو عدم الاهتمام من قبل والديه، أو الإجبار على فعل شيء لا يتوافق مع إمكانياته وقدراته.
ويمكن علاج المثالية المفرطة بأمور منها، زرع الثقة في النفس وتقبلها على ما هي عليه، فلست في حاجة أن أكون ضعيفا لكي يتقبلني أصدقائي، ولست في حاجة أن أكون غنيا لكي يجتمع من حولي الناس ويقدروني ويحترموني، ومن ذلك أيضا تقبل الآخرين واحترامهم وتقبل عثراتهم، للتعايش والتواصل معهم ومع جميع شرائح المجتمع، وكذلك من الأمور المعينة على تجاوز المثالية المفرطة العيش بواقعية ودون تكلف، فكن أنت وتذكر قول المولى عز وجل (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).
بتصرف من كتاب نعمة عدم الكمال لبرنيه بروان.
قال أبو ذؤيب الهذلي
والنفس راغبة إذا رغبتها *** فإذا ترد إلى قليل تقنع