[email protected]
أنا على يقين بأن الكاتب لا بد أن «يوازن» بين المعاصرة والتراث، أي أن يقرأ في القديم مثلما يقرأ في الجديد تماما، وهذه موازنة أو مواءمة مطلوبة، ذلك أن الخلل الحاصل في هذه العملية «التوازنية» سوف يؤدي بطبيعة الأمر إلى خلل واضح في وسائل التعبير ومناهجه، بمعنى أن الأدب في أصله «تأثر وتأثير» أو «أخذ وعطاء» فلو انحصرت قراءة الأديب في أدبه المعاصر دون الرجوع إلى التراث؛ فسوف يجد نفسه «ضائعا» إن صح القول، ذلك أنه لم يعمد إلى بناء ثقافته «التحتانية» أولا، أي أن ثقافته لا تقوم على أسس متينة وراسخة، ولهذا تجيء عباراته مهلهلة ناقصة وبالتالي فإنها تفقد تأثيرها.
وعكس الآية مضر أيضا، فلو انحصرت قراءة الأديب في التراث فحسب دون الرجوع إلى أدبه المعاصر، فإننا قد نظن بعد قراءتنا لأي عمل من أعماله أنه جاءنا يتمطى من العصر الجاهلي بما يتحفنا به من ألفاظ وحشية ومعان قد لا تصلح لهذا العصر ولا يصلح لها، وليس في قولي هذا سخرية من أدبنا الجاهلي، فأنا واحد من المتأثرين به شعرا ونثرا، بل أطالب بقراءته والتأثر به، ولكن ليس على حساب الأدب المعاصر، ولذلك أعود إلى ما قلت بأن بيان الكاتب لا يستقيم إلا إذا استطاع أن يوائم بين التراث والمعاصرة بطريقة لا تطغى قراءة فيها على قراءة، بل إن الكاتب بدون هذه المواءمة لا يستطيع أن يكتب أدبا مقروءا وجيدا، وهذا يعني بطبيعة الحال أن الجسور القائمة بين القديم والحديث لا بد أن تظل قائمة، فهذه سنة من سنن الحياة، فمن لا قديم له لا جديد له كما يقال، وعملية الربط بين القديم والجديد هي محاولة جيدة لتخليد التراث والمحافظة عليه.