في أحدث التعريفات للتربية والتعليم أنها إعداد الفرد للحياة، ولما كانت المناهج الدراسية والمقررات التي تتحقق من خلالها الغاية من هذه المناهج هي الوعاء الذي تقدم فيه مؤسسات التعليم المعرفة والأفكار المراد إيصالها للمتعلم والأهداف الوجدانية لعملية التعليم وتوجيه سلوك الفرد وغرس القيم فيه فإن من أساسيات هذه المناهج أن تلبي حاجات الفرد في الحياة وحاجات المجتمع وتطلعاته، ولذلك فإنها تخضع إلى التعديل والتطوير بين الحين والآخر بهدف مواكبة متطلبات الحياة التي تتغير من فترة إلى أخرى تبعا لتطور المجتمعات وحاجاتها، ويشمل ذلك إضافة مواد دراسية لم تكن تتضمنها في مراحل سابقة، وأمثلة ذلك واضحة فيما شهده التعليم في سائر بلاد العالم من زيادة مواد دراسية لم تكن من قبل أو كانت جزءا من مواد دراسية أخرى، واتضح ضرورة التوسع في محتواها، وأن تفرد له مقررات وساعات دراسية ومعلمون متخصصون. ولا شك أن اتساع الفضاء الإعلامي وتعدد وسائطه، خاصة بعد الطفرة الكبيرة في استخدام وسائط التواصل الاجتماعي وأعداد المشاركين فيها قد جعل التربية الإعلامية ضرورة ينبغي الاهتمام بها وإقرار مناهج لها في جميع مراحل التعليم بما يناسب أعمار المتعلمين، ولا شك أن تبرير هذا المقترح ليس صعبا لما ندركه جميعا من ضرورة تحصين أبنائنا وبناتنا من تأثيرات الفضاء الإعلامي ووسائط التواصل الاجتماعي التي أصبح استخدامها شائعا بين جميع الفئات والأعمار فلا تكاد تجد امرأة ولا رجلا ولا شابا ولا شيخا إلا وينشغل مع الأجهزة التي يتم التواصل من خلالها مع مصادر لا عد لها من أصحاب الأفكار المختلفة وحتى الديانات والمذاهب والغايات أيضا. وليس بعيدا عن ذلك القول أن كثيرا من الدول توظف المحتوى الرقمي لنشر أفكارها والترويج لأهدافها التي لا تكون دائما في صالح غيرها من الشعوب والدول، بل لتمزيق النسيج الاجتماعي والتحريض ضد الدول التي لا تتفق معها في الرأي أو المصالح إضافة إلى أن التربية الإعلامية لن تهمل الاهتمام بالثقافة الشخصية للمتعلمين والسلوكيات الإيجابية وتعزيز قيم المواطنة والانتماء والتعريف بتاريخ البلاد وإنجازاتها وما تمتلكه من الثروات والمواقع السياحية وغير ذلك من المحتوى الإعلامي الذي ينبغي أن يعرفه المواطن صغيرا وكبيرا، ولعل اكتشافنا أحيانا أن البعض من الشباب لا يمتلك الحد الأدنى من المعلومات الذي لا يجوز أن يجهلها عن وطنه مطلقا. ويمكن أن نضيف إلى ذلك أنه من خلال تدريس هذه المادة سوف يتاح للمعلمين اكتشاف المواهب الإعلامية والصحفية لدى الطلاب ورعايتها مما يوفر للوطن مستقبلا إعلاميين وصحفيين وكتابا يجمعون بين العلم والموهبة والتدريب، خاصة وأن هذا القطاع ما زال يعتمد على من اكتسبوا الخبرة الميدانية من الشباب على ضوء قلة عدد الإعلاميين الذين تلقوا التعليم الجامعي في هذه التخصصات، وقبل ذلك كله فإن الثقافات الجديدة التي هي أهم مخرجات المجتمع المعلوماتي المعاصر تتطلب تدريس التربية الإعلامية الرقمية، كما أن تدريس هذه المادة واختيار المحتوى المعرفي لها سوف يساهم في تطوير ذهنية المتعلم وتعويده أن يكون باحثا عن المعلومة وناقدا لها قبل نقلها ومحللا أيضا حيث إن طبيعتها تشجع على العصف الذهني، وطرح تدريس هذه المادة وإن جاء متأخرا نسبيا إلا أنه يواكب اهتمام العديد من الدول والمنظمات وفي مقدمتها منظمة اليونسكو التي دعت إلى تدريس هذه المادة منذ عام 1982 م، والدول التي أضافتها إلى مناهجها.. باختصار إن الثورة التكنولوجية المعاصرة تقتضي الاهتمام بهذا التوجه الذي تتسابق الدول فيه فلنبدأ به الآن لأن المستقبل سيجعله أكثر أهمية، ولأن التأخير قد يجعله أكثر صعوبة أيضا.
@Fahad_otaish