يعاني الكثيرون منا من عدم القدرة على إنجاز الأعمال المختلفة، فهذا طالب أو طالبة لا يلتزمان جديًا بالمذاكرة، وذلك رياضي لا يحافظ على تمارينه، وتلك ربة بيت لا تستطيع إنجاز أعمالها المنزلية، وموظف أو موظفة، اعتاد كل منهما على تأخير تسليم المشاريع الموكلة إليهما، فما السر وراء ذلك كله؟
السر في ذلك هو غياب كلمة خارقة لها تأثير كالسحر على النفس، تدعى بالانضباط، فإذا غابت تلك الكلمة غاب معها الإنجاز وابتعد معها النجاح والتفوق، والانضباط كلمة مأخوذة من الضبط، وهو الالتزام، وهو القدرة على السَّيطرة على الذَّات أو التَّصرُّفات بهدف التَّطوير والتَّحسين الشَّخصيّ، ومن ذلك ما جاء في الهدي النبوي، أنَّ رَجُلًا قالَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوْصِنِي، قالَ: لا تَغْضَبْ. فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ، فالانضباط الذاتي من أهم الأدوات اللازمة للتنمية الذاتية، التي تسهم في الالتزام بالقيام بأداء التكاليف وإنجاز الأعمال، كما أنها تسهم في التخلص من العادات السلبية، كشرب الدخان، وتناول الطعام غير الصحي، والسهر وغيرها من العادات التي لا تعود على صاحبها بالنفع، والانضباط قدرة مكتسبة، تنمو وتزداد بالتشجيع والممارسة والمتابعة، فالطفل يتعلم الضبط من والديه، والجندي من الضابط، والرياضي من المدرب، والموظف من المدير، وهكذا...، فإذا لم يقم كل منا بدوره فسيؤدي ذلك إلى ضياع المجتمع وهلاكه، وللانضباط فوائد عدة، منها القدرة على التحكم بآلية الرغبة، فالمنضبط لا ينفق أكثر من دخله، ولا يقتني ما لا يحتاج إليه، ومنها أيضًا، أن الانضباط يعين على مقاومة المتعة السهلة، كرفض الطالب للخروج مع زملائه وهو منشغل بالمذاكرة لاختباره، والانضباط يقوم على ثلاثة مبادئ، أولها القدرة على تحمل المسؤولية، فلا تجد المنضبط يلقي باللوم على الآخرين عند فشله في تحقيق أي إنجاز، بل يتحمل ذلك ويعيد حساباته ويركز على مواطن الخلل لديه ويسعى إلى تحقيق هدفه بثقة ومثابرة. وهو ما يدفعه إلى تكوين شخصية قيادية قادرة على التغيير، وثانيها، القدرة على إدارة الوقت، بحيث إنك تجد المنضبط قادرا على اختيار تسلل الأحداث اليومية بالشكل المناسب، فلديه وقت للجلوس مع الأسرة، وآخر للقراءة أو المذاكرة، وللمرح والمتعة مع الأصدقاء وقت، فهو لا يسمح للأحداث المحيطة به أن ترتب أولوياته، والانضباط يدفع بصاحبه إلى الشجاعة في مقاومة المخاوف، التي قد تعترض طريقه، فلن تكون هنالك صعوبة تذكر في مراجعة مادة دراسية، ولا الإعداد لمشروع أو مهمة عمل مهما بلغ حجمها، وهنا قد يقول قائل، أنا وقد عرفنا قيمة الانضباط، فكيف لنا أن نتعلمه، وما هي الأمور التي تعيننا على القيام به، فنقول:
أولًا: عليك بكتابة أهدافك، لكي لا يتحول إلى أمنية تذهب أدراج الرياح.
ثانيًا: توقع المشكلات المحتملة واستعد لها كما يستعد الجندي لمعركته.
ثالثاً: صادق المنضبطين وتعلم منهم واستفد من تجاربهم العملية، فمن تجربة شخصية حصلت لي، أن صديقًا تعرفت عليه فأهداني كتابًا ساهم كثيرًا في حبي للقراءة.
وأخيرًا، أبدأ بمهام صغيرة قابلة للتحقيق، فقليل دائم خير من كثير منقطع.
قال العباس بن فرناس:
تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ.. وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ مُزيرُ
وَيُعجِبُكَ الطَريرُ فَتَبتَليهِ.. فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ
بتصرف من كتاب (قوة الانضباط) لبراين تريسي
azmani21@