نحن اليوم مقبلون على توجه جديد يركز به على السياحة كأحد روافد الاقتصاد الهامة، ومن هذه الروافد التي لها عامل جذب سياحي كبير هي الآثار وعلومها ومن مكتشفات. ولننظر لمصر وإيطاليا واليونان وأعداد الزوار لهم في كل عام لنعلم عن مدى أهمية التنقيب الأثري ووقعه على الاقتصاد وعلى توافر المئات من الوظائف. فدعونا نتوقف هنا لنتحدث عن مدينة ثاج لنتبين مدى أهميتها في المنظور السياحي وخاصة أن أعمال التنقيب ما زالت في منطقة صغيرة رغم الكشف ومنذ أكثر من عقدين من الزمان.
ثاج مدينة أثرية تقع شرق مدينة الجبيل في المنطقة الشرقية وعلى بعد 95 كيلو مترا منها. كانت تلك المدينة أحد المراكز الحضارية المهمة في الجزيرة العربية نحو الألف الأول قبل الميلاد أي أكثر من ألفي وخمسمائة سنة هجرية. ومن أهميتها القديمة أنها كانت تقع على طريق القوافل التجارية القديم المتجهة جنوبا إلى اليمامة والأفلاج ومنها إلى وادي الدواسر ثم إلى قرية الفاو ونجران. جاء ازدهار مدينة ثاج في العهد الإغريقي الذي تبع احتلال فارس من قبل ألكسندر المقدوني. وتقع المدينة داخل سور بطول كيلومترين ونصف الكيلومتر الأمر الذي يشير إلى أنه سكنتها أعداد كثيرة.
ذكرت مدينة ثالج في كتب الرحالة وقد ورد اسمها في «معجم البلدان» لياقوت الحموي و«بلاد العرب» للعمدة الأصفهاني و«صفة جزيرة العرب» للهمداني و«تهذيب اللغة» للأزهري. كذلك ورد ذكر ثاج في عدد من كتب المستكشفين الغربيين الرحالة أثناء مرورهم بالمنطقة عام 1865م وكذلك في عام 1942م حيث وصفت وصفا دقيقا. وجاء أول تنقيب لها في عام 1968م من قبل بعثة دنماركية وتبعها عدد من البعثات الأخرى. وفي عام 1982 أوفدت إدارة الآثار والمتاحف التابعة لوزارة المعارف فريقا أثريا لمعاينة الموقع، وفي العام التالي أجرى فريق أثري من وكالة الآثار والمتاحف أول موسم تنقيب في ثاج.
إلى أن جاء أهم اكتشاف في مدينة ثاج عام 1998م حيث قادت الصدفة علماء آثار سعوديين بحثوا في أحد المواقع القريبة من منزل سيدة بالمنطقة ليتم اكتشاف رفات طفلة يعتقد أنها تعود لعائلة ملكية في حضارة ثاج، عمرها لا يتجاوز العاشرة وضعت على سرير بقوائم برونزية شكلت بأشكال آدمية ونثرت قطع ذهبية حول رفات الطفلة. في حين أن القطع الذهبية والبرونزية التي وجدت في مدفن الطفلة لا تقدر بثمن، حيث نثرت حول رفات الطفلة، كما وجد في المدفن العديد من القطع البرونزية والفخارية، وقطع للزينة من الذهب المطعم بالأحجار الكريمة وقناع للوجه من الذهب، وهو ما يعكس الحالة الثقافية والصناعية التي كانت عليها مملكة ثاج الممتدة من عصور قبل الميلاد.
إن التنقيب الأثري له بعد سياحي كما له قيمة تراثية عالمية. وحضارة ثاج العربية أحد الأمثلة الجميلة التي نفتخر أن تكون بين ظهرانينا. ولعل الأيام تخبرنا عما فيها أيضا من مكتشفات عبر الحفريات الأثرية الجديدة.
@SaudAlgosaibi