أعتقد بوجود (تلوث) في اللغة العربية، والغيرة لدى صانعي أقوالنا متدنية لدرجة أن معظم محرري البيانات والإعلانات يهتمون فقط بإرضاء المعلن أو رئيس المطبوعة، وليس في أذهانهم حس القارئ أو شعوره، خصوصاً اللغة التي تستعملها صحف طالها الكساد الإعلاني والتوزيعي، فهي تستعين بكفاءات عربية، وهذه الكفاءات جيدة في لغة أجنبية ضعيفة في اللغة العربية، وتستفيد الصحيفة من قدراتهم العالية على الترجمة الحرفية، ولكنها ولضرورات السرعة لا تقوم بإجراء التحرير اللازم على النص، فتضع الترجمة نصاً، وهنا تظهر مشكلة هذا (التلوث) واضحة للعيان، واقرأوا معي هذا النص في تحقيق صحفي نشر في إحدى الصحف العربية، التي تصدر من الخارج:
«ولم يكن من غير المستحسن ألا نكنّ التقدير والإعجاب.. إلخ»، هل فهمتم شيئا عن ماذا يحاول أن يقول صاحب التحقيق؟ لقد نقلت الصحيفة الترجمة الحرفية دون أي تعديل لغوي ونتج عن ذلك لغة ركيكة واضطراب في سرد الفكرة، فتصل هذه إلى القراء محدودي الثقافة، ومن هنا تأتي تلك الآثار غير الطيبة، ويكون الضرر أقل لو قامت تلك المطبوعات سواء كانت صحافية يومية أو أسبوعية باستقطاب مصححين متمكنين في اللغة العربية لقراءة المقالات والتحقيقات، خصوصا المترجم منها، وإذا تعاون على النص مترجمان من بلدين عربيين مختلفين كانت المشكلة أكبر، ولكل زمان أخطاؤه وانحرافاته، فقبل عصر الترجمة والصف التصويري الكمبيوتري، وصلت أساليب الكتابة في بعض المناطق في الوطن العربي إلى درجة حادة من الانحطاط والهبوط، ففي مطلع هذا القرن أرادت صحيفة تصدر في طنجة بحث تاريخ الحج فقالت مبتدئة «زيارة الكعبة المعظمة فريضة على كل مسلم ومسلمة، أو لمَنْ عنده استطاعة مالية وصحية.. ومن مناسك الحج سبع مرات طواف حول الكعبة كل عام.. في المحل المقدس المذكور.. والحجاج لابسين كلهم كسوة بيضاء.. وسامعين لخطبة مفتي الأنام في جبل عرفات.. لبيك اللهم لبيك.... !...
الكعبة مبنية من طرف إبراهيم خليل الله، ولكن بمرور الدهر والأزمان وبتأثير سيلان وأمطار خرجت مرارا.. تهدمت ولكنها تصلحت من أحجارها الابتدائية.. وحجر الأسود موضوع بمكانه بيد المباركية المحمدية.. ماء زمزم من ضربة قدم إسماعيل.. وأهم مادة هي اجتماع مسلمي العالم في كل سنة للولاء والمخالصة».
ويقال إن الأستاذ الرافعي -يرحمه الله- عندما قرأ هذه البداية قذف بالصحيفة قائلا: «أشهد أن لا إله إلا الله» كمَنْ أحس بغشية تشابه غشية الموت.
@A_Althukair