الوصول للتنمية الثقافية المرجوة المُرتبطة بالتطور الواعي والاعتزاز الحقيقي بالهوية والانتماء، يحتاج للكثير من البحث والعمل والشغف المبني على النبش في تراثنا وتاريخنا وآثارنا وعاداتنا وتقاليدنا وخصوصيات الحياة، التي جعلتنا نستمر ونمضي ونسعى ونبني ونستشرف المستقبل ونقدمه أكثر لأبنائنا والأجيال القادمة لتكون قادرة على العمل بتلك التفاصيل، التي أسّست جذورنا الغارقة في الأرض بكل تنوعها، فهي التي اتفقنا على العمل من أجلها حتى تحافظ على التراث الطبيعي والثقافي القادر على الترسيخ الحقيقي لذواتنا في أرضنا.
فهذا التراث الطبيعي والثقافي هو تراكم كل مميّزات المملكة من جغرافيا وتاريخ وحضارة وهوية ملموسة ماديا ومعنويا، فالمواقع الطبيعية قادرة على أن تكوّن محمل ثقافي مميّزا للتنوع في كل مناطق المملكة من محميات طبيعية تحتاج لدعم على مستوى البنية التحتية تتلاءم مع خصوصياتها أيكولوجية قادرة على توفير الشغل لليد العاملة المدركة لطبيعة المنطقة، بحيث تخلق التقارب والشموخ بينها وبين وجودها فيها وتجعل لكل المنجزات اليدوية معنى وحضورا وقيمة عالية، خاصة أنها ذات توافقات مختلفة تستوعب الصناعات اليدوية والحرف والتراث القادر على توفير المنتجعات والمتاحف المحلية ذات القيمة الفنية البشرية والتاريخية، التي تسرد تاريخ المنطقة، وهذا ما يجمع بين الثقافة والسياحة بحيث تتعاون من عدة جهات لتكون قادرة على الاشعاع أكثر بصورة المملكة دوليا، خاصة أنها أصبحت وجهة محبّبة للسياح وباتت تستقبل السياحة العالمية وتقدّم موروثها ومخزونها على عدة مستويات تضمن الأمان بشكل مريح على مستوى الإقامة والتنقل والترفيه والفائدة المعرفية وهو ما يضمن كذلك تشغيل كل القطاعات اقتصاديا وكل مستويات الثقافة ومجالاتها مع تهيئة أرضية مناسبة لعقد ملتقيات محلية ودولية للتبادل الثقافي.
كما أن الاهتمام بكل هذا المخزون الطبيعي قابل لفتح باب الاستثمار ثقافيا وسياحيا، خاصة أن كل منفذ تراثي يقود لمنافذ بصرية ومحكية ومُعاشة من خلال العادات والأكل، كما هو الأمر أيضا بالنسبة للمواقع التاريخية، التي تعد قيمة حضارية قابلة للاعتراف الدولي مثل بقية المناطق الأثرية، التي أصبحت تحت رعاية اليونيسكو، والتي باتت تثير فضول السياحة المحلية والعربية والدولية على غرار المواقع الخمسة، التي خضعت لرعاية اليونسكو، فكلها تحولت لأيقونات للتاريخ والأسطورة والثقافة والحضارة.
إن المملكة تمضي بخطوات حثيثة وجادة نحو تنمية ثقافية قادرة على خلق وعي متكامل بكل ما تزخر به من موروث وبكل ما تستمر به من ابتكار وبكل ما تسعى له من انفتاح له القدرة على تمييزها في العالم أكثر وأعمق وأبعد في التواصل وهو ما نجحت فيه بكل مؤسساتها، التي تتعاون مع وزارة الثقافة في مبادراتها ومقترحاتها وهيئاتها للبحث والتوعية والتشجيع وخلق ذلك الشغف الحقيقي، الذي به يستمر العمل بمحبة وانطلاق وثقة في النجاح.
@yousifalharbi